أين نحن من تلك الأيام؟!

 

غسان الشهابي **

** كاتب بحريني

في مثل هذا الوقت تقريباً من العام الماضي، وقبل ذلك ربما بشهر، يزيد أو يقصر، أدركنا تماماً أننا أمام جائحة لم تبق ولم تذر، أدركنا أنّ الوباء عمّ العالم ولم تعد هناك جنان خالية من الوباء، حتى من اعتصم بالغابات والصحاري، لم يجد نفسه إلا وهو مصاب بين يوم وليلة، لأنه قرر الاتصال بأطراف المدن أو القرى على اعتبار أن المشكلة في القلب، ولكنه لم يدرك أن الوباء قد استشرى.

قبل عام أكثرنا من صنع الفيديوهات التي تبثّ العزيمة في النفوس بأننا سنعود بعد قليل إلى سابق عهدنا، وتزاحمنا الذي كنا نتضايق منه فبتنا نحنّ إليه كلما رأينا صورة تعود إلى شهور قليلة مضت.

أطلق الكثيرون منا تنهيدات عميقة وهم يرون طائرات، أو وهم يقلبون ذكريات أسفار مضت، ويتمنون كرسياً في الدرجة السياحية على ضيقه فقط ليطيروا إلى أي مكان، وليس شرطاً أن يكون مقصداً سياحياً، بل مجرد ركوب الطائرة صار حلماً.

منذ عام تقريباً لم يعد أحد يقف على بلكونته كما فعل البعض في إيطاليا أو إسبانيا وكما قلدهم بعضنا، فقام بعزف مقطوعات موسيقية ترفع المعنويات، وتبث الحبور والفرح بين الناس ليواصلوا الصمود.

وعلى ذكر البلكونات، لماذا لم نعد نرى تلك المشاهد لنافذتين متقابلتين في حيّ ضيّق الأزقة يتبادل عبرهما الجيران صينية تحمل بعض أكواب المشروبات الساخنة وقطعة كعك، نراهم يبتسمون لهذا الحل والحيلة، فنبتسم لابتسامتهم، وأيضاً لهذا الحسّ الإنساني الشفيف الذي يدل على التضامن بصورة بسيطة؟!

قبل عام، كانت جحافل المتطوعين تتبارى، وأخبارهم تتزايد، والحديث عن تضحياتهم وبطولاتهم يجعل المتطوع فخوراً حتى ولو لم يكن في الصف الأول، يكفي أنه متطوع، هل نسمع أخباراً اليوم عن التطوع والمتطوعين؟ أو: هل نسمع كما كنا في العام الماضي؟

في العام الماضي خرج العالم بمصطلح فيروس كورونا المستجد، ثم أعطاه تاريخاً إشارة إلى العام الذي ظهر فيه الفيروس 2019، هذا الفيروس تحوّل منذ ذلك التاريخ، وتحوّر، ولا ندري ما إذا كانت اللقاحات في 2021 لا تزال تحارب الفيروس الأساسي أم تداعياته... هو بالتأكيد يسبقنا، ولكن بكم من المسافات؟

هذا العام تخلصنا من المزايدات التي قامت بها بعض الحكومات العربية بالادّعاء أنها وصلت إلى "صفر" حالات، لأن الوباء كما الحمل، إن أخفيته اليوم سينتفخ في الغد.

هذا العام افتقدنا الصفوف على الجانبين الذي تصفق وتشجع الأطباء وتشدّ من أزرهم ليواصلوا عملهم المضني الذي حاولوا فيه جهدهم أن يهشّوا شبح الموت عن المصابين بقدر ما استطاعوا.

الخشية أننا بين العامين استهلكنا طاقاتنا وما عاد من جديد لنقدمه لبعضنا. أخشى امّحاء المبادرات الفردية الصغيرة لأن له دلالات غير مريحة. أخشى ما أخشاه أننا قد سلّمنا أسلحتنا وصمودنا وتماسكنا وتعاضدنا، وقدّمنا الرايات البيض لنتعايش مع المرض... وليقضي الله أمراً كان مفعولاً.