رمضان وأفراح الروح

 

سالم بن نجيم البادي

حين جاء رمضان تغيرت أحوال ضحي صار نهاره طهرا وفرحا مستديما والليل بهجة وسرورا وروحانية وسهر بريء، غيم يلطف الأجواء على مدار اليوم وسحابة من السكينة تغطي الأمكنة والزمان حتى الحيوانات والأشجار والجماد والطيور والحشرات احست بقدوم رمضان، الكل مبتهج ومحتفل بقدوم رمضان وكل شيء يسبح بحمد ربه، والرضا يغمر النفوس المُطمئنة.

هجر ضحي الهاتف والتلفاز وملاحقة أخبار الحروب والدمار والجوع والتشرد ومخيمات الشتات وكورونا واللقاحات وأعداد الإصابات والوفيات، وصام عن الخوض في قضايا الوطن التي تكلم عنها كثيراً قالوا له تكلم ياضحي وعندما قام مقص الرقيب بقص مقاله أصابه اليأس وقال لنفسه اسكت ياضحي, والآن في رمضان انهالت على روحه سكينة باذخة لم يكن يشعر بها قبل رمضان، هو المشاكس والمشاغب والمنطلق بلا هوادة صوب لا شيء ولا أهداف. طيشه المعهود وتهوره وجنونه وقلقه الهادر، ومع كل ذلك حين تخبو جذوة الإيمان في قلبه قليلا، ويصاب بالوهن وتعب الحياة كان دوما يفر إلى الله، فيجد الملجأ الآمن تهدأ روحه وتقر عينه ويهتف يا الله، حينئذ تغشاه الرحمة فيشعر براحة عظيمة لا مثيل لها.

وحين تشتعل حرائق الهموم في قلبه يطفئها بالصلاة في خشوع وإخبات وتبتل ركعتي الضحى وركعات في جوف الليل وصيام أيام لايدري بها حتى أفراد عائلته وصدقة في السر وصلة أرحام وزيادة في بر الوالدين.

ضحي في رمضان منشرح الفؤاد يمشي جذلا وكأن ريح السكينة تحمله أو كأن له أجنحة يحلق بها بعيدا عن أشواك وعثرات وعقبات ومطبات ونتوءات الحياة، يصلي الفرائض في جماعة، وإذا كبر تكبيرة الإحرام وحين يركع ويسجد فكأنما تصب عليه الطمأنينة صبا، ويشعر أن الرحمة تنزل على نفسه كما المطر الغزير والسعادة تملأ كل جوارحه، يستغرق في مناجاة طويلة مع الله، في لذة ومتعة وحب ووجد وأشواق الروح، يرتل القرآن وتستوقفه بعض الآيات حتى تنفر الدموع من عينيه.

في رمضان ضحي يتصرف بهدوء وروية ويفعل كل شيء برضى ترافقه السكينة لا شيء  يثير غضبه وحنقه-اللهم إني صائم- هو في رمضان أكثر صبرا وهدوءًا وقوة تحمل ويغض الطرف عن أولئك الذين يسئيون إليه ويقابل الإساءة بالإعراض والصفح واللامبالاة.

في رمضان يتجنب أهل الغيبة والنميمة وهواة الحديث عن أعراض الناس وتتبع زلاتهم ويشهر في وجوههم قوله . يارجال دع الخلق للخالق ثم يذهب، ويمشي بين الناس يريد إصلاح ذات البين وإن نجح اشترط عليهم أن يكون الأمر سرا يقول لا تخبروا أحدا لا تقولوا أصلح بيننا فلانا يريد أن يكون عمله خالصاً لوجه الله، ويستغرب من أهل الغيبة والنفاق وأصحاب الوجوه المتعددة ومن لديهم قدرات خارقة على التلوّن وتبديل جلودهم حسب المواقف وأهل المعاصي والذنوب والظالمين والجبابرة في الأرض ويسأل الله لهم الهداية والصلاح، ويبتعد عن الناس ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

ضحي ليس من جنس الملائكة ولا يدعي المثالية ولا التقوى، لكنه بشر يخطئ ويصيب يذنب ويتوب ويجاهد نفسه تغلبه أحيانا ويغلبها بعض الأحيان. ووقت العصر في رمضان ذلك الحيز الزمني الفريد الجميل المليء بالترقب وانتظار موعد الإفطار زمن حافل بالحركة والنشاط وتلاوة القرآن والذكر، وإعداد أطباق طعام الإفطار الهريس واللقيمات والثريد وخبز الرقاق واللبن والتمر والماء، وربات البيوت يسابقن الزمن للانتهاء من إعداد طعام الإفطار، والجيران يتبادلون أطباق الطعام، والأطفال يتسابقون على حمل أطباق الطعام إلى مائدة الإفطار. الأسرة كلها تترقب أذان المغرب وقلوبهم تلهج بالدعاء، إنها أفراح الأرواح في رمضان.