جابر حسين العماني
لكلِّ فرد من أبناء الوطن احتياجاته الملحَّة التي يحتاج إليها لتيسير أموره في الحياة الاجتماعية؛ فإذا توفرت تلك الاحتياجات الأساسية والضرورية سيكون أقرب إلى الاستقامة والصلاح، وإذا حُرم هذه الاحتياجات الضرورية فسيكون أقرب إلى الانحراف والفساد؛ فحاجة الإنسان الملحَّة والضرورية هي ما يدفعه دائما للمطالبة بها، والإلحاح على توفيرها ليستطيع العيش مكرما عزيزا في وطنه وبين أهله وذويه.
إنَّ الحكومات الرائدة في العالم هي من تستطيع أن تكفل لمواطنيها احتياجاتهم الأساسية والتي من خلالها تستطيع إبعاد مواطنيها عن مواضع الشبهة والرذيلة، وهذا ما حذر الإسلام الحنيف والكثير من العقلاء والحكماء والمفكرون منه، باعتبار أن زيادة الفقراء والمعوزين في المجتمع وحرمانهم من حقوقهم يجعل المجتمع فاقدا للأمن والاستقرار والاطمئنان.
ووَرَد عن خليفة المسلمين العادل الإمام علي بن أبي طالب أنه قال: "لاَ تَلُمْ إِنْسَاناً يَطْلُبُ قُوتَهُ، فَمَنْ عَدِمَ قُوتَهُ كَثُرَت خَطَايَاهُ".
المواطن عندما لا يتوافر له العمل المناسب الذي يتناسب مع إمكانياته، فهو معرَّض للوقوع في فخ الفراغ والفساد والإفساد، وهذا إن دل فيدل على تعاسة العاطل عن العمل التي توجهه إلى الخطيئة والاساءة والإجرام بحثا عن احتياجاته ورغباته، وهذا ما أثبتته التجارب الاجتماعية التي جعلت الكثير من أهل البطالة يسعون إلى ارتكاب المحرمات كالسرقة والمخدرات وشرب الخمر ومصاحبة أهل الباطل واتباع الرذيلة بأنواعها.
على المجتمعات والحكومات والأنظمة أنْ تعلم أنَّ الكثير من الحوادث الإجرامية التي تحدث في العالم البشري اليوم لها جذور، وأهم هذه الجذور البطالة والفقر، فمن المؤسف عندما ترى الفقر والبطالة ينتشران في بلد عُرف بخيراته النفطية والبحرية والزراعية، والمواطن يحرم من أبسط حقوقه.
أليس من حق المواطن أن يسأل أين تذهب تلك الأموال والثروات التي هي حق من حقوقه؟ لماذا تذهب الوظائف المرموقة للوافدين، فتجد الوافد مسؤولا والمواطن يستجدي المؤسسات الخيرية.. فمن المسؤول عن كل ذلك؟
المواطن يجب أن يكون عزيزاً مُكرماً في وطنه من خلال المؤسسات الحكومية والخاصة على حد سواء، والتي ينبغي أن توفر له احتياجاته، فلا ينبغي إهانته أو إذلاله أو التقصير في حقه، ومن أولويات المسؤولين في الحكومة توفير احتياجات المواطن؛ فهو بحاجة ماسة للكثير من الاحتياجات؛ أذكر منها: توفير المستشفيات التي ترقى بالوطن والمواطن بخدماتها الصحية، وإمكانياتها وخبراتها الطبية، وتوفير الجامعات والمدارس النموذجية التي من خلالها يتلقى المواطنون شتى العلوم المختلفة، من غير اللجوء إلى الجامعات والمدارس الخاصة باهظة الثمن التي باتت تُثقل كاهل المواطن، ومحاسبة التجار الذين يحتكرون المواد الاستهلاكية والتشجيع على المنافسة التجارية الشريفة كما هو معمول به في دول العالم، كما ينبغي تشجيع المواطن على العمل في التجارة، وكسب الرزق الحلال، وعدم تعقيد الإجراءات لكي يستطيع الاعتماد على نفسه في الحياة. كما أن المواطن بحاجة ماسة لحُسن التعامل، خصوصا عند استقباله في الدوائر الحكومية والرسمية، وعدم التعامل معه بجفاء وتكبر وتغطرس، كوضع الحواجز الزجاجية أو الخشبية، أو الحديث معه من نافذة صغيرة جداً مساحتها شبر واحد لا أكثر، وكأنهم يمنون عليه بأفضالهم، متناسين أنهم وجدوا من أجل خدمة الوطن والمواطن.
المواطن أيضا بحاجة ماسة لفتح أبواب الوزراء والمسؤولين ليستطيع إيصال صوته ومعاناته واحتياجاته إليهم، وعليهم أن يتعاطفوا معه، وأن يوفروا الحلول المناسبة لمشاكله واحتياجاته. والمواطن بحاجة للكثير من الهدوء والاستقرار والسكينة في وطنه، سواء كان ذلك على الصعيد السياسي أو الاجتماعي؛ لما لذلك من انعكاسات مهمة تعود على المجتمع وأفراده بالخير. والمواطن بحاجة لدعم المشاريع الخيرية وعدم تعقيدها، ليستطيع الفقراء الحصول على ما يحتاجونه من أهل الخير والصلاح. والمواطن بحاجة لنظام فعال يضمن إيصال المساعدات إلى الفقراء من خلال التسجيل الإلكتروني وإصدار الموافقات دون إزعاج للمواطن الفقير وتشهيره في الدوائر الحكومية.
المواطن لا يطلب في حياته الاجتماعية والأسرية سوى أبسط الحقوق التي هي من أهم احتياجاته، والتي ينبغي الاهتمام بتوفيرها له دون مِنَّة أو حسنة أو فضل أو إحسان من أحد سوى من الله تعالى، فلا حاجة له من دنياه إلا لقلوب تقدره وتحترمه وتجله، ومشاريع تزدهر وتنمو في وطنه لتسعده، وفساد يحارب ويضرب بيد من حديد، وحق ينتصر وباطل يهزم ويدحر.
... إنَّ من أهم ما قاله خليفة المسلمين العادل الإمام علي بن أبي طالب، للمسؤولين في مراعاة حق المواطن وكرامته: "... فَأَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَاصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ، فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ، وَوُكَلَاءُ الْأُمَّةِ، وَسُفَرَاءُ الْأَئِمَّةِ، وَلَا تُحْشِمُوا أَحَداً عَنْ حَاجَتِهِ، وَلَا تَحْبِسُوهُ عَنْ طَلِبَتِهِ..) وقال في رسالته هذه: (وَلَا تَضْرِبُنَّ أَحَداً سَوْطاً لِمَكَانِ دِرْهَمٍ، وَلَا تَمَسُّنَّ مَالَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مُصَلٍّ وَلَا مُعَاهَدٍ.." - والمعاهد هو غير المسلم.
