زيارات وزارية لظفار.. تواقيتها وأغراضها ومرئياتنا حولها

د. عبدالله باحجاج

كان يوم الأربعاء الماضي يومًا تفاؤليا، استبشرَ به مُجتمعنا المحلي، ويترقب نتائجه الملموسة، فقد قام معالي الدكتور سعود بن حمود الحبسي وزير الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، ومعالي عبدالسلام بن محمد المرشدي رئيس جهاز الاستثمار العماني، ومعهما سعادة الدكتور أحمد بن ناصر البكري وكيل وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه للزراعة، بزيارة لمحافظة ظفار، وقاموا بصحبة سعادة الشيخ مهنا بن سيف اللمكي نائب محافظ ظفار، بجولة ميدانية لمجموعة شركات حكومية تُعنى بالأمن الغذائي.

وهذا يعني أنَّ ملف أمننا الغذائي يتصدر الآن الاهتمامات الوطنية، والزيارة ومستوياتها، تدلل على وجود نية بتسريع تحقيق متطلبات الأمن الغذائي، خاصة وأنَّ لدى بلادنا الآن خارطة مُتكاملة بالمخاطر بعد تجربتنا مع كورونا، وقد ركزت هذه الزيارات على ملفين لهما أبعاد وحمولات اجتماعية ثقيلة جدا؛ ملفي: الإبل، والنارجيل (جوز الهند)، ولنا في ظفار مع هاتين الثروتين تاريخ وجودي، يتجدَّد الآن بهذه الزيارات.

فمثلا.. كانت شجرة النارجيل مصدر غذاء لأهل ظفار القدامى؛ بل حياة كاملة لهم؛ وذلك بما تجود به ثمارها واستخدامات جذوعها، وكونها كذلك مصدر دخل للمزارعين، وهى تتميز بإنتاجها على مدار العام، أي ليست موسمية كباقي الأشجار، ولها فوائد معاصرة كثيرة، منها: صحية وتجميلية وغذائية، ومن خلالهما يمكن إقامة العديد من الصناعات التي يمكن أن تكون لها مساهمة مؤثرة في سياسة تنويع مصادر الدخل، وهنا نموذج للتفاؤل بهذه الزيارة الميدانية، لكن للأسف لم تُقدم تفاصيلها للرأي العام حتى يصله التفاؤل.

أما ثروة الإبل، فهناك مجتمعات محلية قائمة عليها، وتملك أعدادًا كبيرة منها، وتستنزف مُقدراتها المالية، ولا يستفيدون منها ماليًّا، ويلجأون في حالات كثيرة إلى الاستدانة من أجلها، وتكون لها الأولوية على معيشتهم لمكانتها التاريخية في حياتهم، وهنا جزء من التفاؤل؛ كون هذه الثروة قد أصبحت التطلعات الخاصة بها الآن تتجه نحو استثمار الإبل في صناعات عديدة.

لكن ينبغِي أنْ لا يغيب عن بالنا حجم فرص العمل التي ستنتجها مثل هذه المشاريع الحكومية، وكذلك حجم الفائدة المالية المجتمعية منها، وهذه قضايا، إذا ما كانت لها قمة الصدارة في التخطيط والتنفيذ، يُمكن أن تساعد في سد بعض الثغرات السلبية الناجمة عن تبني سياسة الضرائب والرسوم ورفع الدعم الحكومي، كما أنها سترفع المعنويات العامة، وهذه قضايا لابد من إدارتها بوعي رفيع ومستقل ومستهدف في ذاته، ولا يقل شأنا عن السيولة المالية المستهدفة لخزينة الدولة.

فمثل هذه المشاريع لا ينبغي أن ينحصر التفكير فيها باتجاه توفير السيولة المالية لخزينة الدولة فقط -رغم أهميته- بل لا بُد من إدراج البُعدين سالفي الذكر ضمن الاستهدافات الأصيلة للمشاريع؛ فالمنافع المالية للحكومة وللمجتمع، وتوفير فرص عمل كبيرة منها، قضية وطنية متلازمة وحتمية في كل مشروع اقتصادي يُخطَّط له أو يقام، وينبغي مسبقا معرفة كم عدد فرص العمل التي سيوفرها كل مشروع؟ وإذا كان أقل كميا، فعلينا إعادة النظر في حجمه لداعي رفع الفوائد المباشرة وغير المباشرة منها.

ليس هناك من خيارات راهنة أو في الآجال المنظورة نترقبها لتحسين المعيشة الاجتماعية أو رفع المعنويات للمجتمع، إلا من خلال الأهمية النسبية المتعددة والمتنوعة لمثل هذه المشاريع المهمة؛ مثلا: مشروع زراعة النارجيل عبر إقامة 50 ألف شجرة نارجيل في مزرعة حكومية، ومن ثم إنشاء وحدة متكاملة لتصنيع ثمار النارجيل، وإقامة أنشطة سياحية وترفيهية في محيط المشروع الذي سيقام على مساحة 4 ملايين و845 ألفا و344 مترا، وهذا مشروع متكامل يخدم عدة أغراض أساسية، ومن الأهمية أن تتبلور فيه المنافع المتعددة الحكومية والاجتماعية، ونرى أن تدار فيه قضية الباحثين كملف خاص ضمن مكونات أهدافه الأساسية، ويعمل من الآن على تدريب وتأهيل عناصره وكوادره، فلا ينبغي تفويت مثل هذه الفرص الذهبية.

وقد انفتحتْ هذه الزيارة كذلك على مشروع تجميع الألبان بما فيه ألبان الإبل، وما اقترحناه سابقا، نُكرِّره هنا، من منظور التفكير المستحق والمستهدف لرفع مستوى المعيشة الاجتماعية لمربي الإبل والابقار، فشعور المربين بحجم الاستفادة المباشرة من هذا المشروع، ينبغي أن يكون بين الأهداف الأصيلة كذلك لمثل هذه المشاريع الوطنية، وهذا من دواعي إدارة المرحلة الراهنة، وتطوير المجتمع.

وكُنت أتمنَّى لو شملت هذه الزيارة كذلك: منطقة النجد في محافظة ظفار؛ للوقوف على تجارب نجاح الشباب العماني في استزراعه، ودورهم في قيادة مسارات الشركات الحكومية والخاصة نحو الزراعة فيه، وقد كانت هذه الزيارة فرصة مُؤاتية لمعالي الوزراء وأصحاب السعادة للاطلاع على ملف الزراعة في النجد، ودوره في أمننا الغذائي، حتى تكون لديهم فكرة ميدانية عنه.

عموما، مثل تلكم المشاريع الإنتاجية تكسر من حدية المسار الجبائي، وتفتح الآفاق للمسار الإنتاجي، وهو الأهم، ولدى بلادنا إمكانيات كبيرة وواعدة للمضي فيه قدما، لكنه، يحتاج لزخم أكبر ومتعاظم، ولو اخترقنا فيه -ماهية وزمنيا- فسيحدث تراجع كبير في منظور الجبايات؛ إذا كان الهدف منها عوائدها المالية؛ حيث سيكون لدينا البديل في مشاريع اقتصادية إنتاجية، وذات عوائد مالية متعددة المسارات؛ أبرزها: خزينة الدولة والمجتمع.