نظرة متعمقة في نصوص قانون العمل

 

أ.د. محمد ربيع فتح الباب *

* أستاذ القانون الخاص المشارك بكلية الحقوق - جامعة عين شمس وكلية البريمي الجامعية

صَدَر المرسومُ السلطاني رقم (35/2003) بإصدار قانون العمل، في السادس والعشرين من أبريل سنة 2003م، وتمَّ نشره في عدد الجريدة الرسمية رقم (742) الصادر في الثالث من مايو سنة 2003م، وتم العملُ به بعد انقضاء شهرٍ من تاريخ نشره.

والواقعُ أنَّ التطورات التي طرأت على علاقات العمل منذ العام 2003م حتى يومنا هنا، خاصة إذا ما أخذنا في الحُسبان التأثيرات السلبية لجائحة فيروس كورونا (Covid-19) على علاقات العمل، تُنبئ بذاتها، ودون أدنى مِراءٍ، عن حاجة بعض النصوص التي يتضمنها قانونُ العمل العُماني إلى إعادة النظر فيما تتضمنه من أحكام، بل وتستحق –وبحقٍ- من المشرع العُماني أن يتدخل باستحداث نصوصٍ تنظم أمورًا معينة كشفت عنها بجلاءٍ السنوات القليلة الماضية.

وأستعيد من الذاكرة وأنا بهذا المقام، وقبل الخوْض في غمار الموضوع، أن فلسفة تشريعات العمل إنما تقوم في الأساس على حمايةِ العامل، ولا شيء غير ذلك، باعتباره الطرفَ الضعيف في العلاقةِ العقدية، في مواجهة صاحب العمل. فارتباط أي تشريع عُمالي بحماية العامل في المقام الأول، هو ارتباطٌ وثيقٌ لا تنفصم عراهُ.

ومن بَيْن هذه الأمور التي تحتاج إعادة النظر: نصُّ المادة السابعة من قانون العمل، الذي يُقرر سقوط حق العامل في المطالبة بأي حقٍّ من الحقوق المنصوص عليها في هذا القانون بعد انقضاء سنة من تاريخ استحقاقه.

والحق أن بَدء احتساب السنة المانعة من سماع دعوى العامل يثير قدرًا ليس بالهين من الشك، بل والتخوف في ذات الوقت، ويستحق أن نقف عنده لبعض الوقت؛ ذلك أن تاريخ استحقاق الحق المُدعى به من قبل العامل قد يكون أثناء وجود العامل في الخدمة لدى صاحب العمل، ومن ثم قد يخشى العامل من احتمالية تعسف صاحب العمل تجاهه إذا ما قام برفع دعوى يختصمه فيها أو حتى تقديم شكوى إلى دائرة القوى العاملة المختصة يطالب فيها بحقٍ من حقوقه.

وأعتقِد أنَّ مسألة بَدء احتساب السنة المانعة من سماع دعوى العامل هي تلك التي ينبغي أن تستحق الحصول على القدر الأكبر من الاهتمام، وترقى إلى أن نُسخِّر صوبها جميعَ الحواس؛ إذ إن جميع النصوص القانونية الأخرى التي تقرر حقوقا للعامل، قد تنهدم وتندثر وتضحى من دون قيمةٍ أو جدوى، إذا ما شعر العاملُ بتخوفٍ أو خشية من صاحب العمل في مطالبته قضائيًا بحقٍ من حقوقه المقررة له قانونا.

أمرٌ آخر أودُّ أن ألفت إليه النظر، وأسترعي إليه الانتباه في هذا الصدد، وهو تأثير الظروف الاقتصادية للمنشأة على عقود العمل، خاصة في ظل ما مرت به -ولا تزال- بعضُ المنشآت من انعكاساتٍ سلبية بسبب جائحة فيروس كورونا (Covid-19)، وما ترتب على ذلك من آثار سلبية على عقود العمال بها، فقد يؤدي ذلك إلى تفكير بعض أصحاب الأعمال في إنهاء بعض العقود.

وتقديري الذي أكاد أجزم به، أنه ينبغي على أصحاب العمل الراغبين في تقليص حجم العمالة نتيجة الإغلاق الجزئي للمنشأة أو خسائر التشغيل أو بسبب الظروف الاقتصادية بوجهٍ عام، إخطار الوزارة أولا بطبيعة الظروف الاقتصادية التي تمر بها المنشأة، على أن يُدعم الإخطار بالمستندات الدالة على ذلك، وبسبب إنهاء بعض العقود أو تخفيض الأجور.

كما يلتزم صاحبُ العمل في هذه الحالة بالاجتماع مع ممثلي النقابة العمالية بالمنشأة، وممثلي الاتحاد العام لعمال السلطنة، للتشاور في هذا الأمر، على أن يأخذ في الاعتبار عند إنهاء بعض العقود، المدة التي قضاها العامل في الخدمة، والصفات المهنية التي يتمتع بها، ومدى خُلو ملفه من الجزاءات، وأن يأخذ في صدر اعتباره مراعاة نسب التعمين.

وهذا الأمر يطالعنا خلوًّا من أي تنظيم له في قانون العمل، وهو بذلك يحتاج استحداث نصوص في شأنه، تُبيِّن ضوابط إنهاء العقود أو تخفيض الأجور بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها المنشأة.

وهناك بعض الأمور الأخرى في قانون العمل التي تستحق من المشرع العُماني إعادة النظر إليها، ولكن بالتأكيد هذا أول قطرات الغيث؛ فالتعديل التشريعي -وأي تعديل آخر- لا يجيء دفعة واحدة.

تعليق عبر الفيس بوك