"الهوى الجامح" من أسباب فسخ العقد

د. مصطفى راتب

* أستاذ مساعد بكلية البريمي الجامعية

لم يأخذ قانون المعاملات المدنية العماني رقم 29/2013 الاستغلال كعيب من عيوب الإرادة، ويعتبر الاستغلال عيبا قائما بذاته؛ بحيث يُمكن تطبيقه على جميع أنواع عقود المعاوضة، كما يمكن تطبيقه على التبرعات سواء كانت عقودًا مثل الهبة أو تصرفًا قانونيًّا مثل الوصية، كما يمكن أن يرد الاستغلال على عقود الصلح.

وقد أشار المشرِّع العُماني في نصِّ المادة 107 من قانون المعاملات المدنية، إلى أنه "لا يفسخ العقد بالغبن الفاحش المجرد بلا تغرير، إلا في مال المحجور ومال الوقف وأموال الدولة"، ويجب لكي نكون بصدد تغرير، لابد من استعمال وسائل احتيالية بقصد تضليل المتعاقد وإيهامه بغير الحقيقة، وتفترض الطرق الاحتيالية الإدلاء بأكاذيب مدعمة بمظاهر خارجية تطليه بلون الحقيقة وتُكسبه وجهها، مثل تقديم أوراق غير صحيحة، والاستعانة بأشخاص آخرين لتأييد الادعاءات الكاذبة، والاستعانة بمظاهر الثروة والجاه لإقناع من يتعاقد معه.

أمَّا الغبن، فهو عدم التعادل الفادح بين التزامات طرف العقد، بمعنى أن يكون ثمة اختلال بين مقدار ما يقدمه أحدهم للآخر، ومقدار ما يأخذه منه. وهذا الغبن الفاحش تُحرِّمه الأديان السماوية؛ فقد رُوِي عن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: "غبن المسترسل حرام"، والمسترسل هو المستسلم للبائع، إلا أنَّه قد يحدث الغبن الفاحش نتيجة استغلال المتعاقد الآخر للظروف النفسية التي يمرُّ بها المتعاقد المغبون؛ مثال: استغلال المحامي خوف الأب على ابنه المتهم في جريمة القتل؛ فيطالب بأتعاب مبالغ فيها.

أو استغلال الطبيب خوف الأب على ابنه الذي يعاني من مرض شديد فيطالب بأجر كبير. واستغلال الزوجة الصغيرة تعلُّق زوجها المسن فتطالبه بهبة جميع أمواله. لذلك؛ نُوصي المشرع العماني بتوسيع نطاق الحماية القانونية للمتعاقدين من الاستغلال، من خلال إضافة الاستغلال كعيب رابع من عيوب الإرادة (الغلط والإكراه والتغرير)؛ بحيث يُمكن تطبيقه على كافة أنواع التصرفات القانونية؛ سواء المعاوضات وكذلك التبرعات، وتطبيقه أيضا على كافة الأشخاص وليس فقط السفهاء وذوي الغفلة، وكذلك أن يشمل الاستغلال كافة حالات الضعف الإنساني، ومما ينبغي لفت الانتباه إليه أنه يلزم للطعن على العقد بعيب الاستغلال، كما هي الحال في باقي عيوب الإرادة الأخرى، واتصال علم المتعاقد الآخر بهذا العيب لأنه إن كان من النادر ألا يتصل علم المتعاقد بهذا العيب، وقد استغل الطيش البين أو الهوى الجامع لديه لإيقاعه في الغبن.

وجزاء الاستغلال: إذا أثبت المتعاقد المغبون تعييب إرادته بعيب الاستغلال، كان له الحق في أن يطلب من القاضي إبطال العقد أو إنقاص التزاماته فيه، فقد يقضي القاضي ببطلان العقد إذا تبين له أنه لولا الاستغلال لما أُبرم العقد مع المتعاقد الآخر.. ومثال ذلك: أنَّ زوجا مسنا تبرع لإحدى زوجاته بكل ممتلكاته لولعه بشبابها ونضارتها، وأنه لولا استغلالها لهواه الجامح بها لما تبرَّع لها أصلا. أما إذا تبين للقاضي أنَّ تأثير الاستغلال اقتصر فقط على زيادة الغبن، كما لو كان الزوج المسن ينوي أصلا أن يخصها من بين زوجاته ببعض ممتلكاته؛ باعتبارها أصغرهن سنا، وربما أقلهن حظا في التمتع بالحياة معه، بعد أن صار طاعنًا في السن وينتظر لقاء ربه، لكنَّها مارست عليه دلالها واستغلت تعلقه بها، فاستكتبته كل ممتلكاته وأمواله؛ فعندئذ قد يكتفي القاضي بإنقاص الزيادة في التبرع التي حدثت بسبب الاستغلال، ولا يُبطِل التبرع برمته.

ويجب على المغبون رفع دعوى طلب الإبطال، أو تقديم الطلب بإنقاص التزاماته خلال سنة من تاريخ إبرام العقد، وإلا كانت دعواه أو طلبه غير مقبول، ومدة السنة مدة سقوط وليست مدة تقادم، بمعنى أنها لا تقبل وقفا ولا انقطاعا؛ وذلك رغبةً في تحقيق عنصر الاستقرار للمعاملات، لا سيما وأنَّ الاستغلال يقوم على وقائع يصعب إثباتها بعد مُضى مدة تزيد على السنة، لا سيما العنصر النفسي بوصفه أحد عنصري عيب الاستغلال.