لمن تحق الشبكة بعد فسخ الخطبة؟

 

د. مصطفى راتب

أستاذ مساعد بكلية البريمي الجامعية

 

المهر هو المال الذي تستحقه المرأة بعقد الزواج والوطء، ويجب المهر للمرأة بمجرد العقد الصحيح عليها سواء سُمي المهر في العقد أو لم يُسم.

فإذا لم يُسمَّ للزوجة مهراً في العقد وجب لها مهر المثل وهو: مهر امرأة تماثلها في قوم أبيها وقت العقد جمالاً وعلماً وخلقاً وإن لم يوجد فمن عائلة تماثل عائلة أبيها. والمهر ليس ركناً في عقد الزواج ولا شرطاً فيه وإنما هو أثر من آثاره فيصح العقد ولو أغفل تسمية المهر .

ولا يشترط في المهر أن يكون نقوداً فيصح المهر إذا كان عقاراً أو منقولاً أو حلياً فقد يعتبر ما قدمه الزوج إلى الزوجة من حُلي من ضمن المهر. ويستحق كامل المهر بالدخول في زواج صحيح أو فاسد أو بشبهة، كما يستحق بالخلوة الصحيحة في الزواج الصحيح.

ويستحق كامل المهر بالطلاق بعد الدخول أو الخلوة الصحيحة، إلا أنَّه لا يجوز المطالبة به قضاءً إلا بعد صيرورة الطلاق بائناً فإذا أقامت المطلقة الدعوى للمُطالبة بالمهر قبل صيرورة الطلاق بائناً قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان، كما يستحق بالوفاة ولو قبل الدخول أو الخلوة.

وإذا طلق الزوج زوجته قبل الدخول أو قبل الخلوة الصحيحة من زواج صحيح فلا يجب عليه إلا نصف مجموع المهر .

وفي خصوص جهاز الزوجية: جهاز الزوجية حتى ولو كان من مهر الزوج هو ملك الزوجة وحدها ولا يحق للزوج في شيء منه وليس له أن يجبرها على فرش امتعتها له وإنما له الانتفاع به وبإذنها ولو اغتصب شيئاً منه حال قيام الزوجية أو بعدها فلها مطالبته به أو بقيمته.

وكثيراً ما تثور المنازعة إذا ما فسخت الخطبة حول حق الخاطب في استرداد ما عساه يكون قد قدمه إلى مخطوبته من هدايا أو شبكة خلال فترة الخطبة.

وطبقاً لما يجري عليه العمل هو اعتبار الشبكة التي يُقدمها الخاطب إلى مخطوبته من قبل هدايا الخطبة وتأخذ حكمها ولا تعد جزءاً من المهر باعتبار أن الشبكة أو هدايا الخطبة لا تكون عادة محلاً لما يرد عليه عقد الزواج.

ونحن نرى أنَّ للخاطب استرداد الشبكة طالما لم تهلك أو تستهلك إذا لم يتم انعقاد عقد الزواج وذلك سواء كان العدول عن الخطبة بسبب يرجع إليه أو إلى المخطوبة وأياً ما كان ذلك السبب، إعمالا للقول الأرجح في هذا الخصوص والواجب التطبيق، ويخلو قانون الأحوال الشخصية في سلطنة عُمان الصادر بموجب المرسوم السلطاني رقم 32 لسنة 1997م من تنظيم استرداد الشبكة التي يُقدمها الخاطب.

ومن هنا نُناشد المشرع العُماني بتنظيم هذه المسألة واعتبار أن الشبكة جزء من المهر يجب ردها في حالة عدم إتمام الزواج. والسند القانوني والشرعي في المقام الأول لاعتبار الشبكة من المهر، وفي حال عدم إتمام الزيجة لأي سبب يرجع لفعل المدعي أو المدعى عليها، فلا يمنع ذلك من استرداد الشبكة باعتبارها مالا مقدماً على سبيل المهر.

وينعقد الاختصاص بنظر النزاع حول الشبكة وهدايا الخطبة لمحاكم الأحوال الشخصية في سلطنة عُمان. وإذا كانت الخطبة ما هي إلا وعد بالزواج وليست عقداً ملزماً يكون لكل من الطرفين الحق في العدول عنها ما دام الزواج لم يتم.

وقد تباينت الآراء حول جواز طلب التعويض في حالة العدول عن الخطبة وعدم إتمام الزواج سواء من الخاطب أو المخطوبة. لذلك فإنَّ فسخ الخطبة في ذاته لا يُعد خطأ ممن عدل عنها موجباً للتعويض إلا أنه إذا اقترن بهذا العدول أو لابسه أفعال مُستقلة عن العدول ذاته صدرت ممن عدل عن الخطبة تعد خطأ تقصيريا بمفهوم المادة (176) من قانون المعاملات المدنية العماني والتي تنص على أنه "كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو كان غير مميز بالتعويض".

وأحكام رد الشبكة وإن كانت من اختصاص محاكم الأحوال الشخصية إلا أنها تخضع لأحكام الهبة في قانون المعاملات المدنية. لأنَّ الشبكة والهدايا ليست ركناً من أركان عقد الزواج ولا شرطاً من شروطه، إذ يتم الزواج صحيحاً بدونهما ولا يتوقف عليها، ومن ثم يكون النزاع بشأنها هو نزاع في مسألة مالية؛ فتحديد هذا الاختصاص لا يُغير من طبيعة تلك المنازعة ولا من القواعد الموضوعية الواجبة التطبيق عليها بما مفاده أن إدراج المنازعات المتعلقة ضمن الاختصاص القضائي لمحاكم الأحوال الشخصية .

وننتقل إلى قضية أخرى وهي حكم المهر في حالة موت الزوج قبل الدخول بزوجته، فإذا عقد الرجل على امرأة ثم مات فإنها ترثه، وتعتد عليه أربعة أشهر وعشرا وتحد عليه وهذا بخلاف الطلاق، أما إذا طلقها قبل أن يدخل بها وقبل أن يخلو بها فإنِّه لا عدة عليها، كما قال الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴿٤٩﴾) سورة الأحزاب؛ فالمطلقة قبل الدخول والخلوة ليس عليها عدة، ولكن إذا مات عنها زوجها بعد العقد وقبل الدخول بها فإنَّ عليها العدة، وهذا من المواضع التي خالف فيها الموت الطلاق.

ففي هذه الحالة وهي موت الزوج قبل الدخول بزوجته ترث وتعتد وتحد، وإن كان لم يدخل بها ولم يخلو بها، أما إذا طلَّق الزوج زوجته قبل الدخول بها فإنِّها لا تعتد منه ولها أن تتزوج متى شاءت من حين الطلاق، مصداقاً لقوله تعالى (لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ .. وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) 236- 237 سورة البقرة.