أين خطة التحفيز الاقتصادي؟

خلفان الطوقي

أصدر معالي الدكتور وزير الاقتصاد بتاريخ 28 أكتوبر 2020- أي قبل 120 يوماً- قراراً بتشكيل فريق عمل لوضع السياسات والبرامج الداعمة لتحفيز الاقتصاد العماني، ويترأس الفريق سعادة وكيل وزارة الاقتصاد، بينما تتألف عضويته من مُمثلين عن وزارة المالية والبنك المركزي العماني ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار وأمانة جهاز الضرائب وبرنامج التوازن المالي وغرفة تجارة وصناعة عمان، وممثلين لمجلسي الشورى والدولة، وعدد من المختصين والخبراء.. وهو توجه نبيل وقرار في غاية الأهمية من حيث الغاية والهدف والتوقيت.

القرار أكمل حوالي 120 يومًا، وما زالت الخطة التنفيذية لم تُعلن، ولم يتم إقرار البرامج والسياسات التحفيزية، ولم يُعلن حتى اللحظة توقيت تطبيق الخطة أو من يشرف عليها أو من ينفذها، لكنه في المقابل تمَّ منذ ذلك التاريخ رفع الدعم التدريجي عن الكهرباء والمياه عن الأفراد والمؤسسات، وتم الإعلان عن رفع رسوم المأذونيات (تأشيرات عمل الوافدين) التي من المخطط تطبيقها مع حلول أبريل 2021، والتي تصادف أيضاً تطبيق ضريبة القيمة المضافة (VAT) في نفس الشهر على معظم الخدمات والسلع.

يأمل الأفراد والمؤسسات أن يروا بعد هذه المدة أو في محتوى الخطة: برامج تحفيزية عاجلة، وحزمة اقتصادية تقلل من إغلاق الأنشطة التجارية، وتحفز من زيادة فتح أنشطة جديدة تساهم في توسعة رقعة النشاط التجاري، وتساهم في فتح فروع جديدة في محافظات السلطنة المختلفة، وتستقطب مشاريع واستثمارات وشركات عالمية، وتقلل من هجرة الأموال العمانية وغير العمانية إلى خارج السلطنة، وتنقص من أعداد الشيكات المرتجعة، وتشجع الناس على الذهاب إلى السوق والمتنزهات والمولات والمقاهي والمنتجعات ليصرفوا بعض ما ادخروه، وتقلل من القضايا التجارية، وتنقص من المعسرين والمحالين إلى المحاكم والسجون.

يمكن لفريق العمل المكلف أن يتجول في الأسواق ليشاهد عدد المحلات التي أغلقت أو توشك على الإغلاق، يمكنه أن يلتفت يميناً وشمالاً شرقاً وغرباً ليشاهد عدد اللوحات المعلقة في البنايات والفلل والمكتوب عليها (للإيجار)، يمكنهم أن يسألوا شرطة عمان السلطانية وشركة المطارات العمانية عن عدد المُغادرين من الوافدين بدون عودة، كما يمكنهم أن يتواصلوا مع إدارات المراكز التجارية (المولات) الموجودة أو المزمع افتتاحها، أو أصحاب الفنادق عن نسبة الإشغال الحالية، ودراسة حجم التداول اليومية في سوق مسقط للأوراق المالية ونسبة الأجانب منها، وقس على ذلك باقي الأنشطة التجارية، وينطبق ذلك أيضاً على الأفراد ونسبة صرفهم وادخارهم وتغير سلوكيات الصرف عن السابق، وعن عدد طلبات المساعدة والمناشدة التي يتلقونها يومياً من خلال هواتفهم مقارنة بالسابق، وعن أعداد العمانيين وغير العمانيين الذين خفضت رواتبهم أو الذين لم يستلموا لعدة أشهر.

الشواهد كثيرة ومنوعة، وتختلف من قطاع لآخر، ومن شخص لشخص آخر، لكن من المهم أن تستشعر الحكومة أن كل تأخير في إقرار خطة إنقاذ اقتصادية، لن يكون في صالح أحد، ويعني ضحايا جدد، وانتقال من حالة انكماش يعقبه كساد اقتصادي، وبإيجاد حلول مالية ورسوم وضرائب جديدة، سنخلف وضعًا مؤلماً، يرغم من تبقى على تهجير أمواله أو تصفية أعماله أو تقليل أو تغيير أنشطته التجارية.

العالم في تطور مستمر، وخارطة الاستثمار أصبحت عالمية، وتحويل النشاط التجاري من دولة لأخرى أصبح في غاية السهولة، وأنواع الاستثمار لم تعد كالسابق، بفتح محل أو نشاط تجاري في أرض الواقع، بل أصبح من خلال منصة إلكترونية وبعملة إلكترونية وبأنظمة ضخمة ومتطورة جدًا وصناديق استثمارية ذكية اخترقت وتجاوزت العقول الحكومية، لا يمكن تعقبهم.

الخلاصة من قول هذا: إن الكثير من الأحمال والأعباء المالية من رسوم وضرائب يعني انتقال السيولة النقدية والمشاريع بمختلف أحجامها من الوعاء العماني إلى الوعاء العالمي، والذكاء الحكومي يكمن في عمل المستحيل لإبقائهم هنا، وإقناع غيرهم بالقدوم إلى عمان، بالتحفيز الميداني من خلال ابتكار التشريعات الجاذبة والممكنة، وليس بالشعارات الضخمة التي لا يمكن تلمسها في الميدان.