"سلِّم لي على الخصوصية"!

غسان الشهابي

قبل أشهر، اختارت جامعة رسمية بحرينية برنامجاً يُدعى "لوك داون" لمراقبة الامتحانات النصفية والنهائية للطلاب؛ وذلك للحد من التلاعب في الامتحانات في ظل الدراسة عن بُعد، وحتى لا يتساوى من يدرسون مع من لا يدرسون في الدرجات.

وفي المقابل، قامت مجموعة من طلاب هذه الجامعة بشنّ حملة شعواء على هذا النظام، وادّعت أنه يفسد الأجهزة، ويبطئها، ويتعدى على خصوصية المستخدم إذ يطلب منه الدخول إلى المعلومات الواردة في الجهاز.

وفي خضمّ هذا الشدّ والمدّ بين الطرفين، وكلٌّ واقفٌ على رأيه، قالت أستاذة في تقنية المعلومات، إن أي تطبيق يريد أيٌّ منا تنزيله على هاتفه المحمول يطلب -أول ما يطلب- السماح له بالدخول على إعدادات الجهاز وقائمة الاتصالات وغيرها من الأمور الأساسية الخاصة في الجهاز، وإلا ما اشتغل التطبيق، وما نظام المراقبة هذا إلا واحداً من هذه التطبيقات، فليس هناك داع للتمسك العالي بالخصوصية وإلا على الجميع أن يوقف استخدام أي تطبيق في جهازه بتاتاً إن كان خائفاً على خصوصيته لهذا الحدّ!

استرجعت هذا الأمر -على حداثته- مع مشاهدتي للأعداد المتزايدة لـ"المهاجرين" من تطبيق "واتساب" الذي "تسرَّع" في إعلان سياسته الجديدة للخصوصية بشكل فجٍّ ربما، إلى تطبيقات محادثة أخرى أبرزها "سيجنال" و"تيليجرام"؛ على اعتبار أنهما أكثر أمناً من نظيرهما... ولكن يبدو أن هذا التحول نوع جديد من الهراء.

وبحسب تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، بعنوان "الحق في الخصوصية في العصر الرقمي" (2014)، فقد أشار إلى عدد من المخاوف؛ من بينها أنَّ "المؤسسات التجارية والدول لا تزال تتبادل البيانات الشخصية وتجمعها من مختلف المصادر وقواعد البيانات، مع حيِّز رئيسي للوسطاء المعنيين بالبيانات. ونتيجة لذلك، يجد الأفراد أنفسهم في موقع ضعف، بما أنه يبدو من المستحيل تقريباً تعقب الجهة التي تحتفظ بأي نوع من المعلومات بشأنهم، ناهيك عن التحكم بالطرق العديدة التي يمكن من خلالها استخدام تلك المعلومات".

ويبدو واضحاً أنه مع كل يوم يتقدم فيه ما يسمى بـ"الثورة الرابعة" القائمة -خصوصاً- على البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، سنبتعد قروناً عن خصوصياتنا، وعن اعتقادنا بأننا مستورون، أو كما يقول المثل الشعبي "دارٍ درى... ودارٍ ما درى"؛ إذ إنَّ هناك جهات ستدري عني وعنك أكثر مما ينبغي، ستخزن قولنا، وصورنا، وضحكاتنا، و"إيموجياتنا"، تدمجها لتخرج بتحليل لم يخطر على أساطين علماء النفس، سنوضع في علب زجاجية قابلة للاسترجاع إذا ما احتاجوها في أي منعطف من حياتك، وإذا ما كذّب أناس بيوم القيامة من إعادة شريط حياتك أمامك كله، بخيره وشره، وبإحسانه وإساءاته، فما يمكن أن يحدث اليوم بالعلم البشري القاصر المحدود لهو صورة جدّ مصغرة وأولية لاستعراض كل ما يخص الإنسان بهذه السرعة والدقة والإحاطة.

لذا؛ فلا مفرّ أمامنا من أن نواصل تنزيل التطبيقات، واستخدام البطاقات بأنواعها، والهواتف والإنترنت، لنهدي الشركات والمنظمات التي تجمع عنا جميعاً ما يحلو لها من معلومات تعلقم حياتنا، تجمّعها وتكيّفها، وتسلعننا بعد أن تسلعنها، تبيعها وتبيعنا معها منتجات، ونصبح أوراقاً دون أن ندري في مهب الشركات وأجهزة المخابرات.