قضية تحتاج تدخلا تشريعيا!

 

د. مصطفى راتب

أستاذ مساعد بكلية البريمي الجامعية

 

المفقود هو الغائب الذي انقطع خبره، فلم تُعرف حياته أو مماته ولا عبرة بمعرفة المكان أو الجهل به، إذا كان مجهول الحياة أو الممات؛ فلو كان معلوم المكان، لكنه لا يعرف حياته أو مماته، فهو مفقود.

ونصت المادة (190) من قانون الأحوال الشخصية العماني على أن الغائب هو: 1- الشخص الذي لا يعرف موطنه ولا محل إقامته. 2- المفقود هو الغائب الذي لا تعرف حياته ولا وفاته.

وساوى المشرع العماني في المُعاملة بين المفقود والغائب فتنص المادة (194) من قانون الأحوال الشخصية على أنه "على القاضي أن يحكم بموت الغائب أو المفقود إذا قام دليل على الوفاة". وللقاضي أن يحكم بموت الغائب أو المفقود إذا مرَّ على الغياب أو الفقد أربع سنوات.

والواقع أنَّ مُعاملة الغائب مُعاملة المفقود ليس له ما يبرره، بل يبدو منتقداً، فالغائب هو شخص حياته مُحققة، لكن لا نعلم له موطنا أو محل إقامة، ولا يغير من ذلك أن المشرع ألزم القاضي بأن يبحث عن الغائب أو المفقود بكل الوسائل للوصول إلى معرفة إذا كان حياً أو ميتاً، قبل أن يحكم بوفاته؛ حيث نصت المادة (195) من قانون الأحوال الشخصية العماني على أنه "على القاضي في جميع الأحوال أن يبحث عن الغائب أو المفقود، بكل الوسائل للوصول إلى معرفة ما إذا كان حيا أو ميتا قبل أن يحكم بوفاته".

أحكام المفقود

للمفقود أحكام ثلاثة؛ أولًا: بالنسبة للمدة: نصت المادة (196) من قانون الأحوال الشخصية العماني على أنه "يعتبر يوم صدور الحكم بموت الغائب أو المفقود تاريخاً للوفاة".

وقرر المشرع العماني أن مدة السنوات الأربع كافية لانتظار أسرة المفقود حتى يعود، فإذا انقضت هذه المدة فيجوز لذوي المصلحة من أسرته طلب إصدار حكم من المحكمة باعتبار المفقود ميتاً موتاً حكمياً أو مدنيا. وهذه المدة هي الحد الأدنى للحكم بالوفاة، ويجب احتساب مدة السنوات الأربعة من تاريخ انقطاع الاتصال بين المفقود والغائب وأسرته، أي من تاريخ عدم تأكد الأسرة عما إذا كان المفقود حياً أو ميتا.

ثانيًا: بالنسبة لزوجته؛ تعتد زوجة المفقود عدة الوفاة، ومدة العدة أربعة أشهر وعشرة أيام، وتحسب من تاريخ صدور الحكم، ومتى انقضت مدة العدة كان للزوجة أن تتزوج بغيره إن شاءت.

ثالثًا: بالنسبة للأموال: نصت المادة (272) من قانون الأحوال الشخصية العُماني على أنه "يعطى كل من الغائب أو المفقود من تركة مورثه نصيبه فيها على تقدير حياته"؛ أي يوقف للمفقود نصيبه في تركة مورثه على أن يصدر حكماً باعتباره ميتاً أو يظهر حياً. فإذا صدر حكم باعتباره ميتاً فلإن هذا النصيب الذي أوقف للمفقود، يوزع على الورثة المستحقين وقت وفاة المورث.. فالقاعدة هنا استثناء، وهي أن المفقود يعتبر ميتاً من تاريخ فقده بالنسبة لأموال غيره.

كيفية توريث المفقود

إذا كان المفقود هو الوارث الوحيد، أوقفت له التركة كلها. وإذا كان معه ورثة/ وارثين، قسمة التركة على افتراضين: افتراض أنه حي، وافتراض أنه ميت، ويوقف له أفضل النصيبين، ويعطى كل وارث أسوأ النصيبين.

فإذا ظهر المفقود حيًا، أخذَ ما وُقف له. وإن ثبت موته بعد موت مورثه، رد نصيبه إلى ورثته الشرعيين. وإن ثبت موته قبل موت مورثه. كان ما وقف له حقاً لورثة مورثه.

أثر ظهور المفقود حياً بعد الحكم بموته:

بالنسبة للأموال تنص المادة (197/ 1) أحوال شخصية عماني على أنه "إذا حكم باعتبار الغائب أو المفقود ميتاً ثم ظهر حيًّا فإنه يرجع على الورثة بالتركة ما عدا ما استهلك منها".

ويُستفاد من ذلك للمفقود أن يسترد المال المتبقي لدى الورثة، فإذا كان التصرف بسوء نية من جانب الورثة والمتصرف إليه كان للمفقود استرداد المال محل التصرف.

وبالنسبة للزوجة: تنص المادة (197/ 2) أحوال شخصية عماني على أنه "إذا حكم باعتبار الغائب أو المفقود ميتاً ثم ظهر حيًّا فإنه تعود زوجته إلى عصمته ما لم تتزوج ويقع الدخول بها".

الأصل أن تبقى الزوجة في عصمة الزوج الثاني، إلا أنها ترد إلى عصمة الزوج الأول في ثلاث حالات هي: إذا تزوجت بغيره ولم يدخل بها، وإذا تزوجت قبل انتهاء العدة، وإذا كان الزوج الثاني سيئ النية؛ أي يعلم بحياة الزوج الأول.

وأخيرًا.. نناشد المشرع العُماني التدخل لتقصير مدة السنوات الأربع التي يجب أن تنقضي لصدور الحكم بموت المفقود؛ حيث يمكن أن يُعتبر المفقود ميتاً بعد مضي مدة 15 يوماً على الأقل من تاريخ فقده، في حالة ما إذا ثبت أنَّه كان على ظهر سفينة غرقت أو كان في طائرة سقطت.. وبعد مضي سنة إذا كان من أفراد القوات المسلحة وفُقد أثناء العمليات الحربية.