كيف أصبح المواطن عبئا داخل وطنه؟

 

د. عبدالله باحجاج

العبء هو الحِمل الثقيل الذي لا يقدر على حمله، ويتمُّ التخلص منه بوسائل متعددة، الوسائل ذاتها هي التي تُعبِّر عن العبء نفسه، وما يُقال من تصريحات حكومية ورسمية، وما ترسمُه السياسة المالية من ضرائب ورسوم ورفع الدعم وتقاعدات إلزامية وفجائية.. كلها تعطي الانطباع الاجتماعي بهذا الشعور الآن، ويتم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي، فكيف أصبح المواطنون أعباءً ثقيلة على وطنهم أو داخل وطنهم، وهم قوته، بل كبرى القوى؟ فهل يعتقد بتلك السياسات أنه سيتم التخفيف من الحمل الثقيل على الدولة؟

عندما يتمُّ التمعُّن في تلكم السياسات، وإجراءاتها التنفيذية الآن، يزداد الشعور الاجتماعي بالعبء قناعة ورسوخا؛ فالأوضاع الاجتماعية تتراجع بصورة ملموسة، والكثير من الأبناء يتم توطينهم في مهن متدنية، مثل نادل أطعمة عربية، وبائع حلويات، وبائع خبز ومعجنات وبائع خضار وفواكه، وسائق عموم مركبات.. عوضا عن إعادة تأهيلهم وتدريبهم ومن ثم توطينهم أو توظيفهم في مهن متوسطة؟

ويأتي بعض التجار الأثرياء، ويعتبرون تحسين المعيشة الاجتماعية عام 2011 جريمة وخطأ كبيرا لم يحدث في أي دولة، قالوها قبل يناير 2020، وبعده، ومن ثم كان لهم ما أرادوا، فتم تخفيض المرتبات للموظفين الجدد في القطاع العام، وتم إحالة الآلاف للتقاعد الإجباري، وتم سحب بدلات من المرتبات التي ترفع من مستوى المرتبات، وكذلك تم تحديد حد أدنى للأجور في القطاع الخاص 350 ريالا دون الاعتداد بالشهادات...إلخ.

هذه النماذج تدلل على أن الحلول والمعالجات للأزمة المالية في بلادنا، تتم من خلال منظور العبء الثقيل، وليس من خلال منظور إعادة التأهيل والتدريب لما تقتضيه نهضة التجدد، لذلك فقد أصبح المسار الآن واضحا تماما، وهو إرجاع الأوضاع الاجتماعية إلى الوراء كثيرا، لتخفيف الأعباء المالية على خزينة الدولة من منظور اجتماعي أحادي، والانطلاق منها للمستقبل، كأرضية قياسية للنمو والتطور والحداثة الجديدة.

كيف أصبح المواطنون الذين لم يصل عددهم إلى 3 ملايين، ويعيشون داخل دولة نفطية وغازية وغنية بالموارد الأخرى أعباء ثقيلة داخل وطنهم؟

لا بُد أن يكون هناك خلل جسيم قد حدث في المسير السابق، ونغرق فيه الآن، ولم يرفع رأسه من حالة الإغراق حتى اللحظة، كردة فعل، في وقت يكون المطلوب، الفعل لتأسيس انطلاقة قوية للنهضة المتجددة.

من هنا، ينبغي أن نتعرَّف على طبيعة هذا الخلل الضاغط على الفكر الجديد، والذي أوصل الوطن إلى أزمة كبيرة يتحمَّل ثمنها المواطنون الآن، وكم هو مُتعبا نفسيا أن يصبح المواطنون أعباءً ثقيلة على وطنهم؟ وكيف أصبحوا هكذا فجأة ودون مقدمات، أعباءً ثقيلة يُتعامل معهم بمثل تلكم السياسات والقرارات؟ سنعتمد هنا على منهجية طرح التساؤلات لصياغة قناعة عقلية يمكن أن تؤثر على الفكر الجديد أو على الأقل تصوب مفهوم العبء الثقيل، والتأكيد على أن ما يقع ضحية أخطاء تاريخية، يحملونه الان ما لا يتحمل، ولن يتحمل، ومن ثم من ينبغي أن يتحمل؟

سؤال: لو كُتب لرؤية "عُمان 2020" النجاح، هل سيُعتبر رفع المرتبات عام 2011 والتوظيفات جريمة أو خطأ كبيرا؟

وحتى نَقِف على الخلفيات المهمة، فإننا نشير إلى أنَّ من أهم أهداف هذه الرؤية، التحول إلى اقتصاد مستدام ومتنوع، وتعزيز القطاع الخاص، فهل تحقق التحول؟ وهل لدينا قطاع خاص وطني؟ الإجابة معلومة بالضرورة.

علما بأنَّ بلادنا هي الدولة الأولى في الخليج التي خاضت سباقَ التنويع الاقتصادي عام 1996 قبل الدول الخليجية الأخرى، ولو تحقَّق التنويع الاقتصادي خلال "رؤية 2020" سابقا، ما تأثرت بلادنا بأزمتي كورونا والنفط، أو كان التأثير على الأقل محدودا، لكن من المؤكد أننا لن نشهد الحروب المالية التي تستهدف الأوضاع الاجتماعية الآن، وهذه الرؤية ترمي بالفشل على كل وزير ووكيل ومن في مستوياتهم، ممن تشرَّفوا بتنفيذ هذه الرؤية، ولم ينجحوا فيها! فهل تمت مساءلتهم ومحاسبتهم عن هذا الفشل الإستراتيجي؟

سؤال: أين النخب التي أشرفت على فشل "رؤية 2020"؟

الكثير منها الآن يديرون إمبراطوريات مالية واقتصادية، وثرواتهم خارج البلاد، وبعضها تمَّ إعادة تأهيلها لتتماشى مع رؤية "عُمان 2040"، وآخرون طلبوا إعفاءهم عن مناصبهم، ووراء هذا الطلب ما وراءه من خلفيات.. هل هو هروب من تحمل مسؤولية فشل "رؤية 2020" ومن ثم المساءلة والمحاسبة؟ هذا الفشل لا يقاس بعدم كفاءاتهم، بل العكس، فقد نجحوا في شركاتهم، وكونوا ثروات طائلة، لكن، لم يعد الوطن يستفيد منها، فكيف نعتبر المواطن الآن عبئا على وطنه؟

سؤال: من ينبغي أن يدفع الثمن الآن؟

لن نستخدم هنا مصطلح "الفاسدين"، لدواعٍ كثيرة، رغم التسليم الاجتماعي به في أحاديثهم ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن ينبغي أنه لا يمكن كل من كان له دور في فشل رؤية 2020، وكل من امتص خيرات البلاد، التملص من طائلة القانون، ومن ثم عليهم دفع ثمن فشلهم/فسادهم، عوضا عن أن يدفعه المواطنون الأبرياء، ولو استمر تطبيق السياسات والقرارات داخل المنطقة الاجتماعية -كما هو مخطط ومقرر- فإن المواطنين سيعيشون تبعات شظف العيش التي تسير نحو القسوة مع فقدان الوظائف وتدني المرتبات ومعاشات التقاعد...إلخ. وعندها، سيظهر التفاوت الاجتماعي في البلاد، والخلل في توزيع الثروة، فلا يمكن نكران حجم استفادة البعض من المرحلة الماضية، غير تلكم المسارات السابقة، فقد كانت الهبات توزع بكرمٍ طائي "أموالا وأراضي وأسهم"، والآن ونتيجة لكل ذلك، يدفع ثمنها المواطنون من جيوبهم وعلى حساب مستوى معيشتهم.. وللأسف يأتي البعض، ويعتبر رفع مرتباتهم عام 2011، من بين كبرى الأخطاء؟ إذن؛ بماذا نسمي فشل رؤية 2020؟!

ندعو مُجدَّدا إلى الانفتاح على ما اقترحناه في مقالنا السابق، وهو التضامن المالي لتغطية العجز والديون بين رجال السياسة والاقتصاد والمال الذي استفادوا من الخمسين سنة الماضية، وإعادة النظر في سياسات الحروب المالية الموجهة ضد المجتمع، لأنها تفقر المجتمع، وتؤثر على قوة الدولة الناعمة، وتعتبر من كبرى مهددات الهوية العمانية، وتفتح كل البيئات لاختراقات الأجندات الدخيلة.

الأكثر قراءة