سيادة القانون وتفسير النص القانوني

عيسى بن علي الغساني *

يُقاس مدى تقدُّم الأمم وتحضُّرها بمدى التزامها بحكم القانون في كل تعاملاتها، وبمدى وضوح وفاعلية النصوص القانونية الناظمة للفاعليات الاجتماعية وتصرفات وأعمال الإدارة، وفاعلية النص تعني التطبيق الصحيح وفق إرادة وغاية المشرع وهي المصلحة العامة. وعند تحقق المصلحة العامة تتحقق الثقة في القانون ويتشكل الاستقرار والتماسك الاجتماعي.

النصُّ القانوني يحتمل أمرين؛ أولهما: أنَّ النص واضح وتوقعي ويستطيع المخاطب بأحكامه أن يفهمه بيُسر ووضوح، وهنا لا يتطلب النص توضيحا أو تفسيرا. وثانيهما: عدم وضوح النص القانوني، وهنا يقتضى الأمر التدخل لتقديم التفسير الذي يتفق مع غاية النص ويستهدف المصلحة العامة.

والمصلحة العامة، لا تَرِد تفصيلا في القانون، لكنها فكرة تدور وجودا وعدما حول مصلحة المجتمع، وتنظمها عدة قواعد؛ منها: المساواة أمام القانون، المساءلة عن انتهاك القانون، العدالة عند تطبيق القانون، والمشاركة في صناعة القرار، واليقين القانوني، ووضوح القواعد القانونية الإجرائية والموضوعية.

سيادة القانون والقرار الإداري

في صَدْر الفصل السابع من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم رقم 6/2021. تأتي سيادة القانون كأساس الحكم في الدولة، وهذا المبدأ الدستوري هو القاعدة المنظِّمة للسلوك المجتمعي؛ فالأفراد مُلزمون بحكم القانون في شتي سلوكياتهم وتعاملاتهم، والحال ينصرف إلى رجل الإدارة في كل تصرفاته وأعماله. وعليه واجب احترام القانون نصا وروحا، تطبيقا وتفسيرا.

وفي سياق العمل الإداري، تَتخذ الإدارة من التصرفات والأعمال ما تهدف منه إلى تطبيق حكم القانون، وتحقيق المصلحة العامة؛ سواء في مواجهة أشخاص القطاع العام أو الخاص، أو الأفراد. ورجل الإدارة ألزم ويلزم نفسه بحكم القانون، بحكم التكليف والواجب وأمانة الوظيفة العامة.

لكن هناك حالات يغيب فيها النص الواجب تطبيقه، أو يكون النص غير مُحكم الصياغة وحمَّال أوجه.. وهنا تظهر إشكالية تطبيق النص، صحيح أنَّ قيد السلطة التقديرية هو المصلحة العامة، لكن من يُحدِّد المصلحة العامة.

يستقرُّ العمل في حقل النظرية العامة للقرارات الإدارية وتطبيقاتها في فرنسا على أنَّ في حال غياب النص أو عدم وضوح النص، تُحال المسألة أو الموضوع أو الحق المُختَلَف بشأنِه إلى جهة ذات اختصاص قانوني، تُقدِّم تفسيرا بما يتفق وروح القانون والمصلحة العليا، وتلزم الإدارة بالتطبيق، ومن ثمَّ يُعدَّل النص أو يُسن نص أكثر وضوحا وتوقعا.

وما استقرَّ عليه الفكر والتطبيق في عمل الإدارة، بأنَّ الإدارة تملك صلاحية تنفيد القانون، لكنها لا تملك حقَّ سن وتفسير القانون، فعند عدم وضوح النص يجب طلب الرأي القانوني من الجهة المختصة. وفي السلطنة، أحسن المشرِّع عندما أناط الفتوى والتشريع بجهة مستقلة وفقا للمادة (87) من النظام الأساسي للدولة، تتولى إبداء الرأي القانوني لوحدات الجهاز الإداري للدولة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، وتقوم بصياغة مشروعات القوانين واللوائح والقرارات ومراجعتها.

 

وهذه القاعدة الدستورية واضحة الدلالة والمعني، ومقتضاها بأن تفسير القانون وسن القوانين واللوائح خارج اختصاصات الجهات الإدارية، والتي يقتصرُ عملها على التطبيق الصحيح للقانون. وكذلك ويُقرأ من سياق هذا النص الدستوري فصل السلطات الداخلي على مستوى الوحدات الإدارية.. وهي الفصلُ بين الاختصاصات التنفيذية والتشريعية.

وبإسقاط هذه القاعدة على ممارسات سابقة، تصدَّى أفراد الجهات الإدارية لتفسير القانون دون صلاحية، ودون استناد لمنهج قانوني سليم، بل إنَّه وفي بعض الأحيان عُطل القانون، ربما لعدم وضوح وتقنين قواعد تفسير النص القانوني.

وبهذا النص الدستوري، وهو قاعدة دستورية آمرة، تقتضي وتوجِب  المصلحة والمشروعية وسيادة القانون تكييف العمل القانوني بالوحدات الإدارية، ليكون مستقلا ومتخصصا، ومُنظمًا بلائحة داخلية تنظِّم المنهج الإجرائي والموضوعي لطلب وإعداد وتقديم الرأي القانوني، اتساقا والتزاما بموجبات المادة (87).

 

* محامٍ وباحث في علم الاجتماع القانوني

تعليق عبر الفيس بوك