حمود بن سيف السلماني
محام ومستشار قانوني
كما نعرف بأن المدرسة هي المكان الثاني بعد المنزل الذي يتلقى فيه الطلاب تعليمهم اليومي من حيث القراءة والكتابة وتعلم التعاليم الدينية والاجتماعية والثقافية، وغيرها من التعاليم التي تفيد الطلاب في حياتهم اليومية، وبما أن المدرسة هي المكان المثالي في أن يحدد الطالب مسار مستقبله العملي، فمنهم من يرغب أن يكون محاميًا، أو قاضيًا، أو طبيبًا، أو مهندسًا، وغيرها من المهن التي يرغب فيها الطالب أن يمارسها بعد تخرجه من المدرسة.
وكما هو معلوم بأن كل المهن لا بد أن يكون لها قانونها الخاص، حيث إن العامل لا بد أن يعرف حقوقه العمالية، ولهذا تم إنشاء قانون العمل، والذي يوضح فيه الحقوق والالتزامات التي على عاتق صاحب العمل والعامل على حدٍ سواء، وكذلك الشركات التجارية، ولهذا تم إنشاء قانون الشركات التجارية، وهذا الأمر كذلك على المحامي والقاضي والطبيب وغيرها من المهن، ولكن كيف لهؤلاء أن يعرفوا هذه القوانين إلا بعد الاطلاع عليها عندما تبدأ حياتهم العملية، في المقابل المحامي والقاضي هما الوحيدان اللذان يعلمان ويطلعان على أغلب القوانين، وذلك لتعاملهم معها بشكل دائم ومستمر.
ولهذا فإنه ولا بد من عمل منهج دراسي عن القانون بصفة عامة يتم تعليمه في المدرسة، ليس من أجل الدخول في التفاصيل الدقيقة للقانون، ولكن معرفة الخطوط العريضة للقانون، حتى يخرج الطالب للمجتمع وهو على علم ودراية ببعض القواعد القانونية، والتي ستفيده خلال مساره اليومي في المجتمع، ونعطي بعض الأمثلة على الخطوط العريضة للقانون من حيث القواعد القانونية التي تهم الطالب، وهي معرفة تعريف القانون، ولماذا تم وضع القانون، وما هي عقوبة من يخالفه، وكذلك ما هي الحقوق الخاصة بالفرد في المجتمع، وما تعريف الحرية، وأين تنتهي الحرية؟ فكل ذلك مهم جدًا للطالب، حتى عندما يخرج إلى المجتمع يعرف ما هي التزاماته تجاه المجتمع والوطن والآخرين.
فوجود هذا المنهج الدراسي للقانون مهم جدًا، كما تم إنشاء المنهج بقانون المرور وضرورة التقيد بقواعد المرور، حتى لا يتعرض الآخرون للحوادث وغيرها، وهذا النهج قلل كثيرًا من حوادث المرور، وقلَّت الوفيات والإصابات التي تلحق بمرتادي الطريق، بل وعرف كل فرد دوره أثناء قيادة المركبة، ومتى يدخل الشارع، وذلك عندما يتيقن كليًا بأن الشارع خالٍ من السيارات.
فهذا هو الحال في المسائل القانونية، عندما يتعلم الطالب -وهو في المدرسة- القانون، ويتخرج من المدرسة وهو على علم بما يفيده من معلومات، سيقوم بتطبيق ذلك على أرض الواقع، والذي من شأنه أن يقلل من الجرائم والمخالفات التي تقع من الآخرين، ويكون المجتمع على معرفة بالطرق الاحتيالية، وآخذا الحيطة والحذر من المجرمين، بل أنه سيقلل من المجرمين في المجتمع، لمعرفتهم بأهمية التقيد بالقانون بصفة عامة، حيث إن الطلاب -عند تخرجهم من المدرسة- سيتّجه كل واحد منهم إلى حياته العملية، وسيقوم بالاطلاع على قوانين المهنة التي يمتهنها أو جهة العمل التي سيلتحق بها، ليتعرف على الاشتراطات والواجبات والالتزامات والحقوق الخاصة به، بل إن المجتمع بصفة عامة والفرد بصفة خاصة سيتعلم بعدم التوقيع على أي عقود أو اتفاقيات دون الاطلاع عليها وقراءتها ومناقشتها، بما تتناسب معه ومع الطرف الآخر، حيث إن قراءة الشروط والعقود مهمة جدًا، حتى يتنبه الطرفان بالاتفاقية وما عليهما ولهما فيها.
والمطلع والمهتم بقضايا المجتمع يتفق معي بأن بعض القضايا هي بسبب عدم قيام أحد الأطراف بقراءة الاتفاقية الموقعة مع الطرف الآخر، لأن الثقة التي بينهما كبيرة، وعندما يشتد الخلاف أو النزاع بينهما، كل طرف يفسر الاتفاقية بما يراها لصالحه، وإنه لم يكن يقصد ما تم كتابته في الاتفاقية بهذه الطريقة، لكنه لا يعلم ولا يعرف بأن الاتفاق والعقد يكون بمثابة القانون، وأن القاضي يطبق العقد كأنه يطبق القانون، إلا البنود المخالفة للقانون أو النظام العام، بالتالي فلا يمكن تطبيقها لأنها مخالفة للقانون، مثل الاتفاق على التحصيل على أموال من ألعاب القمار.
وبالنسبة إلى المنهج الدراسي المعني بالقانون، فإنه يمكن الاستعانة بالمهتمين بالقانون أو حتى المحامين، لأنهم أقرب للواقع العملي من أي شخص آخر، من حيث اطلاعهم على كافة القوانين ومعايشتهم للمحاكم والمجتمع بشكل كبير جدًا، فيمكن الاستعانة بهم أو مشاركتهم في كتابة المنهج الدراسي، وكذلك تدريسه للطلاب على كافة المستويات التعليمية، عندما يتم تطبيقه بداية من المراحل الابتدائية، فإن وقعه سيكون أكثر على الأنفس كون الأطفال أكثر تطبيقًا لما يتعلمونه على أرض الواقع، الجدير بالذكر، بأن الأطفال سيقومون بتطبيقه في المنزل كذلك وفي مجتمعهم، والذي سيسهم في نشره بطريقة سهلة وميسرة.
وبإدخال مادة أو منهج القانون في المدارس سيسهم بشكل كبير في تقليل جرائم التنمر وجرائم التحرش وجرائم الإيذاء وغيرها من السلوكيات التي تمارس بين الطلاب، بل سينشأ بينهم دور الشرطي المراقب والمطبق للقانون، والذي سيذكرهم بعقوبة الفعل المرتكب، وخوفهم من العقوبة التي ستقع عليهم في حالة قيامهم بالتنمر على الآخرين أو مخالفتهم للقانون، وبتطبيق هذه التجربة في الوقت الراهن سيتيح فرصة معرفة مدى استجابة الطلاب لها وتطبيقهم للقانون، بعدها من الممكن إنشاء بعض التطبيقات العملية على ما يتم تعليمهم به، وبهذا سيكون الطالبُ جاهزًا للانطلاق الى الحياة العملية وهو جاهز للتغلب على مصاعب الحياة.
ولهذا ننصح بشكل دائم بأن تقوم كل عائلة في المجتمع أو كل فرد في كل عائلة بأن يتعرف على بعض القواعد القانونية أو يتعرف على القانون وتعليم باقي أفراد الأسرة.