المأذونيات.. ليس دفاعا عن القطاع الخاص

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

حتى اليوم، يبدو أننا لم نتعلم جيداً من الدروس الماضية فيما يتعلَّق بتعاون المؤسسات الحكومية مع القطاع الخاص بالرغم من أنَّ رؤية عُمان 2040 تؤكد على أهمية التعاون والتنسيق مع هذا القطاع الذي يُعاني اليوم أزمات عديدة ليس في السلطنة فحسب، بل في سائر دول العالم.

فنحنُ ما زلنا نتحدث عن أمورنا وقراراتنا وقوانيننا ومشروعاتنا بلغتين وليس لغة واحدة يُمكن أن يفهمها المواطن قبل المستثمر الأجنبي الذي نتطلع إليه. ففي جميع سياساتنا نتحدث دائماً عن أهمية الاستثمار الأجنبي في تعزيز المشروعات الإنتاجية والاستثمارية في البلاد بهدف توفير فرص عمل جديدة للمواطنين بجانب العمل على تنويع مصادر الدخل. ولكن في الواقع نرى أحياناً أنَّ كل مؤسسة حكومية تعمل بمفردها في هذا الشأن، وتتحدث عن سياسة مُعينة بغير ما تقول عنها مؤسسة أخرى، الأمر الذي يُؤثر سلباً على المصداقية والمركز التنافسي للسلطنة في المنطقة، ويُقلّل من فرص جذب الاستثمار الخارجي في السنوات المُقبلة.  

هذه المُقدمة كانت ضرورية للوقوف على القرار الأخير لوزارة العمل فيما يتعلَّق بشأن زيادة قيمة استخراج المأذونيات للوافدين من مُختلف الفئات، في وقت يُعاني فيه القطاع الخاص من تراجع في إنتاجيته وإيراداته السنوية نتيجة لاستمرار التأثيرات السلبية لجائحة كوفيد 19، بجانب مُعاناته في الحصول على دفوعاته المالية من المؤسسات نتيجة للتأثيرات السلبية التي نجمت عن تراجع أسعار النفط العالمية منذ منتصف عام 2014 وحتى اليوم، الأمر الذي يُشكّل معضلة لأعمال القطاع الخاص بسبب التأخير في استلام مستحقاته من  الحكومة.

البيان الصادر عن غرفة تجارة وصناعة عُمان في هذا الشأن واضحٌ جداً في مضمونه وعباراته التي تنتقد بعضها صدور مثل هذا القرار من قبل وزارة العمل دون التنسيق المُسبق مع ممثلي القطاع الخاص واللجان المشكلّة بالغرفة لبحث هذه القضايا والمواضيع التي تهم أوضاع الشركات والمؤسسات العمانية. بيان الغرفة يؤكد بأنَّ قيام وزارة العمل بإصدار قرار زيادة رسوم مأذونيات العمل سيُؤثر سلباً على توسيع الاقتصاد المحلي، وتشجيع وجذب الاستثمارات الخارجية. وهذا يعني أنَّه لو تمَّ ذلك بالتنسيق مع الغرفة وتهيئة القطاع الخاص بهذه الزيادات مسبقاً لكان هناك تفاعل إيجابي مع المؤسسات والشركات وأصحابها وغيرها من الفعاليات الأخرى، إلا أن انفراد وزارة العمل بهذا القرار- الذي من وجهة نظرها- سيمنح مزيداً من فرص العمل للقيادات العُليا للمواطنين في المؤسسات والشركات العمانية ربما يكون نتائجه غير إيجابية على الوضع التجاري والاقتصادي بالبلاد، وكل الخوف أن ينعكس سلباً على الاستثمار الأجنبي الذي نتطلع إليه والذي ينتظر الحصول على مزيد من التسهيلات في القوانين والأنظمة والإجراءات، بجانب العمل في بيئة تتميز بوجود كوادر وطنية مُؤهلة ومُدربة وذات كفاءة وإنتاجية لتبدأ عملها منذ أول يوم من استلامها للعمل والمسؤولية.

مثل هذه القرارات تحتاج إلى فترة لدراستها من قبل الجهات المعنية وليس اتخاذها بهذه السرعة، مع ضرورة التنسيق مع الجهات المعنية الأخرى، بجانب دراسة ومعرفة البيئة الاستثمارية في المنطقة والأسواق المجاورة التي تتنافس هي الأخرى في جذب الاستثمار الأجنبي من أجل التوسع الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل. فالتشكيل الوزاري الأخير لم يمض عليه مدة طويلة، ولكن خلال هذه المدة صدرت عشرات القرارات التي تعمل اليوم على رفع تكلفة الإنتاج في المُؤسسات التجارية والصناعية والخدمية التي بدأت تهيأ نفسها للانتقال والرحيل إلى بيئة اقتصادية أكثر جذباً في المنطقة.

فعلى سبيل المثال، عندما نتحدث عن رغبتنا في تعزيز الرقعة الصناعية في البلاد، فهذا يتطلب أن تكون الحوافز والامتيازات جاذبة وليس طاردة. فقرار واحد مثل رفع تكلفة الكهرباء يقابله في نهاية المطاف زيادة في سعر التكلفة للوحدة الإنتاجية الصناعية الواحدة، ناهيك عن التأثيرات السلبية للقرارات الأخرى في مجالات الضريبة وغيرها. فجميها تؤدي إلى زيادة القيمة النهائية للمنتج، الأمر الذي يُؤثر على مجالات الإنتاج والبيع والشراء في الأسواق الوطنية والإقليمية والعالمية التي تُعاني اليوم من تكدّس في البضائع والسلع والمنتجات نتيجة لتراجع دخول الأفراد وضياع فرص عملهم في بعض المؤسسات في إطار الجائحة التي تعصف بالكثير دون رحمة.

الظروف الاقتصادية التي تمرّ بها الحكومات والقطاع الخاص لا ينكرها أحد، الأمر الذي يحتم على المسؤول الحكومي أن ينظر إلى هذه القضايا من مختلف الزوايا وليس من زاوية واحدة. فإذا كان الأمر يتعلق بتشغيل العمالة الوطنية، فهذا لا يعني رفع قيمة المأذونيات بهذه التكلفة العالية. كل ما نحتاج إليه هو تأهيل وتدريب المواطنين أولاً في التخصصات التي يحتاج إليها القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي لنتمكن لاحقاً من تشغيل المزيد منهم خلال السنوات المقبلة وفق خطط الشركات والمؤسسات والاستثمار المخطط له.

ما أريد قوله في نهاية المطاف أنَّ قرار زيادة رسوم مأذونيات العمل وتجديدها سيُؤثر سلباً على الحراك والنشاط الاقتصادي المحلي كما جاء في بيان غرفة التجارة والصناعة، بل سيكبّد أصحاب الأعمال والمؤسسات خسائر أخرى، بجانب ما قد ينتج من ارتفاع تكاليف السلع والخدمات للمستهلك النهائي، ودفع مزيد من العمالة الوافدة بالرجوع إلى أوطانها. فليس من المعقول أن تصدر معظم قرارات الزيادة والضرائب ورفع أسعار الخدمات وغيرها في أشهر قليلة.

اليوم هناك ضرورة لأخذ رأي غرفة تجارة وصناعة عُمان وفق ما ينص عليه نظام الغرفة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (45/ 2017) بأن للغرفة إبداء الرأي في التشريعات المنظمة للأنشطة التجارية والصناعية قبل إصدارها، وتقديم المقترحات بشأن تعديل القوانين النهائية، فيما على الجهات المعنية أن تعمل أولاً على تهيئة الظروف لتشجيع الاستثمار الأجنبي والمحلي، وإعادة النظر في القوانين والتشريعات المنظمة للاستثمار مع طرح مزيد من الحوافز والتسهيلات أمام المستثمرين. وهذا هو السبيل الوحيد الذي سيُعزز من خلق وظائف وفرص العمل في البلاد في المرحلة المقبلة بإذن الله، وليس من خلال رفع رسوم الزيادة في المأذونيات وأسعار الكهرباء والضرائب التي سوف تشكّل عبئاً إضافياً على مؤسسات القطاع الخاص بل على المواطن في المقام الأول.