إسماعيل بن شهاب البلوشي
بسم لله الرحمن الرحيم
ولدي العزيز قابوس بن سعيد بن تيمور -حفظه الله تعالى-.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد فقد سررت بكتابك المُحرر في هذا اليوم وتمنياتك الطيبة لي راجياً لك حسن الصحة والعافية ودوام التوفيق في مُستقبلك. وآمل أن تكون والدتك وأختك في صحة وعافية مع سلامي الجزيل لهما والسلام عليك كما بدأ.
21 رجب 1392 موافق 31 أغسطس 1972. وأنا لا أزال والدك الداعي لك بالخير.. إمضاء: السلطان "سعيد بن تيمور".
السلطان سعيد بن تيمور وبتاريخ 31 أغسطس 1972م، من فندق دروشستر -لندن. يرد على خطاب ابنه السُّلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراهما- واسكنهما جنة النعيم إنِّه على كل شيءٍ قدير. نُشرت هذه الوثيقة ولأوَّل مرةٍ في الأيام الماضية وتم تبادلها بمختلف وسائل التواصل الاجتماعي، ولا أعتقد أن أي عماني لم يتوقف وبعمق كبير من الشعور المتباين أغلبه يحمل المحبة الشخصية للوالد وابنه- طيب الله ثراهما- غير أن ما قرأته أنَّ الأمر يتعدى الشعور العابر فـالعُماني مُحب لقيادته وتاريخه ذلك أنَّ عظمة أهل عُمان، ارتبطت بتاريخهم المشرّف وكذلك فإنِّه بحثاً وتمعناً عن صفاء الرؤية التاريخية العظيمة لعُمان، ولأنَّ ذلك التاريخ لا يخفى على أحد من خلال تناقله بين أفراد المجتمع وخاصةً من كبار السن الذين عاشوا المرحلة بكل تفاصيلها المتعبة بين كفاح الحياة ومصارعة أحداثها وبين لحظات الولاء والفخر والاعتزاز التي تلي النصر والفوز على تحدياتها.
الخطاب لم يكن شخصياً أبدًا لأنَّ خطاب السلاطين هو خطاب للأمم، ولقد كان رابطاً محكماً لنسيج التاريخ العُماني الناصع، كان توضيحاً وتفنيداً لمشاعر أهل عُمان جميعاً بل وللعالم أن الابن بار بأبيه والأب محب لابنه السلطان ويدعو له بالخير والتوفيق، كان خطاباً لشعب عُمان إنني افتخر بكم من خلال سلطانكم وأدعو لمسيرتكم ونهضتكم بالتوفيق، كان توضيحاً للعالم الخارجي وشعب عُمان العظيم الذي جعل من التسامح مدرسةً راقية يُباهي بها الأمم وأن تاريخ عمان متصلٌ رصينٌ وعليكم التوجه إلى أعالي الفخر والبناء في رؤيتكم للمستقبل ولا يلفتكم أي حديث أو فكر أو حتى شك في تلاحمكم وبناء نسيجكم المحكم. ولقد كان لبر الوالدين مشاهد خالدة في المساجد والطرق والحياة الاجتماعية لكي تكون الرسالة واضحة فلقد حملت الكثير من المُنجزات العمانية اسم السلطان سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه-.
نعم السُّلطان سعيد بن تيمور، ولمن يقتفي أثر التاريخ بعمق وتأنِ وتمحيص يجد أن له في بناء عُمان أثر كبير حيث إنه تقلّد منصب الحكم تنازلاً من والده السلطان تيمور وذلك في العام 1932م، ولقد كانت هذه الفترة من التاريخ ثقيلةً على العالم بأسره وكان بها من التحدي والمُؤامرات من كل حدب وصوب أثراً كبيراً في تشكيل صورتها المعقدة ومن يقرأ خطاب السلطان سعيد المنشور في كتاب الواحات والنفط لنجيب الريس، سيقرأ جلياً وبكل وضوح مدى التحدي الاقتصادي الخانق وكذلك فإنَّ كتاب "سلطان في عمان" للكاتب جيمس موريس، يُعد واحداً من أفضل الكتب التي تحدث عن الجولة الرئيسية للسلطان سعيد والتي بدأها من مُحافظة ظفار مروراً بكثيرٍ من الولايات ومنها الداخلية وعبري وبرزته التاريخية فيها والبريمي وحتى انتهت في ولاية صحار وكيف كان يجتهد ويبحث ويُعطي للسلام والأخوّة والجمع دافعاً عملياً وحقيقياً وكان لذلك أثر كبير في جمع الكلمة والصف لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية غير أنه ورغم الجهد المقدر والعظيم للسلطان سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- إلا أن خطى الزمن وإيقاعه لم يكن بالإمكان أن يسير على النمط الذي سار عليه فكان للسلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- نظرةٌ أقرب وأحكم وأكثر بُعداً في محاكاة تلك المرحلة المتجددة والتي كانت تسابق الزمن على مستوى العالم ولذلك وجّه الفكر والاستراتيجية إلى ما يناسب العصر والتجديد والتحديث فكان لعُمان على يديه ما طمح وتمنى شعب عُمان واقترنت نغمة القيادة إلى مسايرة العالم فسار معها شعب عُمان بأكمله موحّداً يجمعه اسم عمان فوق كل تفاصيل واعتبار وحقق الكثير الكثير من أحلامه ولقد كانت رؤيته أكثر بُعداً في اختيار جلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- أيده الله- لفترةٍ تغيرت مرةً أخرى متطلباتها فكان لشخص جلالته وصفاته الواسعة الأفق والممتزجة مع المشاركة الاجتماعية للعماني بل وللأسرة العمانية في أدق تفاصيلها نقلة أخرى لأفق أكثر اتساعاً وبعداً وإن لسمة جلالته المفتوحة الأفق على التجديد والاستماع وإتاحة الفرصة للعماني في إبراز وجهات نظره ومواهبه والتعبير عنها بحمايته وكفالته الشخصية التي أعلن عنها وبكل وضوح أمل متجدد للأفضل، وبإذن الله فإن مستقبل عُمان واعد متجدد بقيادته الحكيمة وبشعبها الوفيّ.