التعمين بين المطرقة والسندان

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

كل العيون ستكون شاخصة لمشاهدة وقائع المؤتمر الصحفي الذي ستعقده وزارة العمل، يوم الأربعاء 27 يناير الجاري، ولا أستبعد أن تكون نسبة مشاهدته من العُمانيين هي الأعلى، نظراً لأهمية الموضوع لجميع فئات الشعب.

فالحقيقة أن قضية التوظيف -وتحديدا التعمين- باتت تتصدَّر اهتمامات الرأي العام نظرا لما تمثله من معضلة مؤرقة، لا أملك الرقم الصحيح عن عدد الباحثين عن عمل، وإن كانت بعض المصادر قد ذكرت أنهم 65 ألفا، لكن يظل الاختلاف في صحة الأرقام قائما. وهنا لا نجامل أنفسنا أو نلمع الوضع، فنحن -شئنا أم أبينا- أمام مشكلة ينبغي حلها عبر دراسة الوضع الحالي بعمق؛ فالمفترض أن تكون فرص العمل المتوفرة للشباب العماني أعلى من الطلب عليها، إذا ما أخذنا في الحسبان عدد السكان، ومن البديهي -في ضوء هذه الحقيقة الديموغرافية- أن يختار الشاب العُماني بين عدة وظائف تناسب شهادته وخبرته، لا أن يُعاني الأمرَّيْن في الحصول على وظيفة، وفي نهاية المطاف لا تناسب مؤهله ولا خبرته ولا حتى طموحه!

ومن المقرر أن تفصح وزارة العمل عن خططها للمرحلة المقبلة فيما يخص التوظيف في القطاعين العام والخاص للعام 2021؛ من خلال تحليل الوضع الراهن لتصحيح أوضاع سوق العمل وتحقيق التوازن بين الفرص المتوفرة والباحثين عن عمل، وهذا بحد ذاته بشارة خير وبصيص أمل من قبل وزارة العمل في السعي نحو إصلاح ما عجز عن إصلاحه السابقون، رغم اجتهادهم، ولكل مجتهد نصيب. لكن أتمنى أن يتم إيضاح جوانب أخرى لم يتم التطرق لها مسبقا يستشعر منها المواطن أنَّ في القادم أملا جديدا مرتقبا للباحثين عن عمل.

استبقت الوزارة المؤتمر الصحفي بإصدار قرارات مهمة تخص توطين عدد من المهن والأنشطة واقتصار مزاولتها على العمانيين فقط، بعدما كانت حكرا على الوافدين فيما سبق؛ وأغلبها مهن في مجال المحاسبة والتدقيق والبيع باختلاف أنواعه، وإن كانت هناك أنشطة أخرى عديدة لم يشملها القرار ربما ستأتي تباعا؛ ومنها: المهن الهندسية في مكاتب الاستشارات الهندسية وتقنية المعلومات وإدارة الأعمال... وغيرها الكثير، كما أنَّ من الملاحظ أن مهنة مندوبي المبيعات لم يتم ذكرها؛ وهي مهنة غير إعجازية، إذ يستطيع العماني أن يبدع فيها إن توافرت لديه الشروط المطلوبة والتأهيل المناسب بعد التدريب، وللأسف هناك شركات معروفة، موظفو المبيعات لديها ليسوا من العمانيين؟! ولا نستبعِد هنا أنْ يكون مُسمَّاه في بطاقة العمل عكس ذلك؟! كما نجد أنَّ هناك وظائف عدة في القطاع النفطي غير مُعمَّنة من خلال وجود عدد كبير من الوافدين يعملون في القطاع النفطي، فما الذي ينقص العُماني يا ترى حتى يستقطب أصحاب الشركات وافدين بدلا عنهم؟!

هناك خريجون عمانيون كثر في مجالات عدة وتخصصات مختلفة لا ينقصهم سوى التدريب والتأهيل الذي سيأتي لاحقا على رأس العمل.

هُناك إذن حلقة مفقودة بين إصدار قرارات التعمين لأي مهنة كانت من جانب الوزارة، وبين ما يُطبق على أرض الواقع من جانب الشركات، وليس أدل على ذلك من القرار الوزاري رقم 73/2019 الصادر عن وزارة القوى العاملة (سابقًا) بشأن إيقاف التصريح باستقدام القوى العاملة غير العمانية بصفة مؤقتة في بعض المهن، وحدَّد القرار مهنًا متنوعة القطاعات والمجالات؛ ومنها مهن أنظمة المعلومات ومهن المحاسبة والمالية ومهن المبيعات والتسويق ومهن الإدارة والموارد البشرية ومهن التأمين ومهن الإعلام والمهن الطبية ومهن المطارات والمهن الهندسية، وأنا أُجزم بأنَّه لو تم التركيز على هذه المهن لما وجدنا مواطنا واحدا باحثا عن عمل.

والشيء بالشيء يُذكر، القرار الذي أصدَره وزير القوى العاملة السابق، القاضي بتعمين مهنة مندوبي المبيعات والمشتريات في القطاع الخاص، لكن ماذا بعد؟! ما زال هناك وافدون يسيطرون على هذه المهنة وإلى يومنا هذا! والباحثون عن عمل من الشباب العماني بين مطرقة قرارات الوزارة غير المتوافقة مع أوضاع سوق العمل، وسندان التزام الشركات بتطبيق هذه القرارات والتحايل عليها بطريقة أو أخرى.

أرجو أنْ يستشعر المواطن بعد المؤتمر الصحفي أنَّ ثمة تغيرًا ولو بعد حين قد حدث أو سيحدث، كما لا يجب أن يغفل المسؤولون بوزارة العمل أنَّ هذه الخطط محسوبة عليهم من قبل عاهل البلاد المفدى؛ حيث ينص النظام الأساسي للدولة على إنشاء لجنة لمتابعة وتقييم أداء الوزراء ووكلاء الوزارات ومن في حكمهم لتجويد العمل الحكومي؛ بما ينعكس إيجاباً على فئات الشعب.

نعم.. الطريق صعب وشائك في سبيل إيجاد حلٍّ ناجعٍ وجذريٍّ لقضية الباحثين عن عمل، لكن بتكاتف جهود الجميع ابتداء من وزارة العمل التي ينبغي عليها أن تمارس التخطيط السليم المبني على الواقع المعاش والنزول للميدان، وليس الاعتماد على الدراسات النظرية فقط، ومن ثم إصدار قرارات مبنية على الاحتياجات الحقيقية لسوق العمل من الوظائف والمهن المختلفة باختلاف الشهادات الدراسية والمؤهلات للباحثين عن عمل، مقروناً بالمتابعة والمراقبة المستمرة لأوضاع شركات القطاع الخاص؛ لمعرفة مدى تطبيقها لقرارات الوزارة والضرب بيد من حديد على كل مخالف. كما أنَّ أصحاب الشركات عليهم دور كبير من خلال الإيمان والثقة بالشباب العماني ودعمه والوقوف معه وتفضيله على الوافد؛ فخير الناس أنفعهم للناس، فكيف إذا كان هو ابن من أبناء البلد.

وأخيرًا.. رسالة إلى الشباب العُماني: الطموح مشروع للجميع، فقط اجتهِد وثابِر، وأثبت نفسك، وثِق بأنك جدير بالعمل وتستحق خدمة بلدك وبناء مستقبلك الذي تحلم به.