علي بن بدر البوسعيدي
السادس من يناير الجاري كان يومًا غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية؛ فلأول مرة يحرض رئيس أمريكي ضد مؤسسات دولته، ويُشارك نجله أيضا في تحريض الحشود على اقتحام المؤسسات المنتخبة التي تُمثل الديمقراطية الأمريكية، التي ظلت تتغنى بأنها الأولى على العالم، لكن يبدو أن هذه الديمقراطية بما أفرزته من غوغائيين لم تعد كذلك!
فاقتحام أنصار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب لمبنى الكونجرس مثل فضيحة سياسية أشد سوءا من أي فضيحة سياسية أخرى شهدها المسرح الأمريكي طيلة عقود، ففضيحة ووتر جيت مع الرئيس ريتشارد نيكسون في 1968، أو فضيحة مونيكا ليوينسكي مع الرئيس بيل كلينتون عام 1998، أو أي فضيحة أخرى، لم تكن بنفس درجة السوء التي حدثت مع فضيحة اقتحام الكونجرس. فما سبق من فضائح سياسية لم تهدد البلد بالانهيار أو التدمير أو الحرب الأهلية، على عكس ما حدث يوم 6 يناير.
لقد وصل الحال بالرئيس ترامب أنه متشبث بالسلطة لأبعد مدى، حتى لو على حساب أبناء شعبه أو على حساب استقرار وطنه؛ فللأسف هو لا يرى في الأمر سوى المكسب أو الخسارة، وبما أنه رجل أعمال وملياردير كبير فإن خسارة الرئاسة الأمريكية بالنسبة له لا ينبغي أن تمر هكذا بدون انتقام، فبدا الرجل المتهور أنه ينتقم من بلده الذي منحه لقب الرئيس الأمريكي، بل كان على أتم الاستعداد لأن ينسف العاصمة من خلال غضب الحشود الذين اقتنعوا بنظريات المؤامرة التي ظل يُردِّدها حتى أخرسته شركات وسائل التواصل الاجتماعي بعدما أغلقت حساباته الرسمية للأبد. فترامب لا يزال على قناعة بأنه الرئيس الفائز، وأن بايدن زور الانتخابات، وأن قوى أجنبية تريد إلحاق الهزيمة به! الرجل يعيش في أعماق نظرية المؤامرة ويرفع الادعاءات الكاذبة لكي يبرهن لنفسه أنه لم يخسر، وكأن الانتخابات صفقة لشراء فندق جديد في قلب مانهاتن أو منتجع فاخر في فلوريدا!
الحق أنَّ ترامب كتب تاريخه الأسود بنفسه؛ فمن شاب نشأ في أسرة فاحشة الثراء إلى سمسار عقارات ملياردير، ثم مُمثل مغمور في تليفزيون الواقع، أو حتى مصارع على حلبات المصارعة الحرة الأمريكية الاستعراضية، إلى أنْ جلس على كرسي المكتب البيضاوي في البيت الأبيض ليحكم العالم.. ترامب ذهب ولن يعود، والتاريخ سيلفُظ سيرته لما ارتكبه من أخطاء كارثية، الكثير منها أضر العالم بأسره علاوة على بلاده، والبعض منها لم يستفِد منه سوى القليلين من أصحاب المنفعة والمصلحة.