ناصر بن سلطان العموري
abusultan73@gmail.com
من منا لم يسمع عن الرؤية المستقبلية "عُمان 2040"، خصوصا بعدما تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم، خلفا للسلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيَّب الله ثراه.
وكما هو معلوم للجميع أنَّ الرؤية هي خارطة طريق مُستقبلي، ومسار تنموي حضاري لكافة القطاعات لعُمان المستقبل، وأُجزِم بأنه لو تحقق لها الإخلاص في العمل وصِدق التنفيذ ووطنية التطبيق، ستنجح وترقى بعُمان إلى مصاف الدول المتقدمة. ما أحببت طرحه عبر هذا المقال هو كيفية نظر المواطن البسيط وفهمه لهذه الرؤية، أولئك البسطاء ممن يفكرون في كسب قوت يومهم، ويوكلون يوم غدهم للواحد الديان؛ لهذا سوف أتطرَّق لبعض النقاط الرئيسية في المرتكزات الثلاثة للرؤية، والتي أري أنها تهم المواطن أكثر من غيرها.
"الإنسان والمجتمع": المواطن البسيط يعيش كفاحَ يومه، يفكر في غده بكل تفاؤل بأنْ المستقبل سيكون أجمل وأفضل بعد رحلة كفاح مضنية ليوم شاق وصعب، الرفاه كلمة جميلة المعني صعبة التطبيق في هذا العالم المادي، وسط الأزمات الاقتصادية والصراعات السياسية والأوبئة والأمراض التي تتربَّص بنا من كل حدب وصوب، ومن الضَّروري أن يكون الإنسان متفائلًا، والأجمل حين يستشعر المواطن كلمة الرفاه على أرض الواقع من خلال أسلوب حياة أمثل يكُون فيه المواطن في مأمَن: صحيًّا، ومهنيًّا، وأمنيًّا، وكم سعدنا حين رأينا وجوهًا قيادية شابة في الحكومة الحالية، وهو ما استند إليه جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- مؤخرا في إعطاء الفرصة للشباب العماني المؤهل، وإعطاء الثقة للمخرجات القيادية التي تم إعدادها عبر أكثر من برنامج قيادي تم تمويلها والإشراف عليه مناصفة بين القطاع الحكومي والخاص في تولي الوظائف القيادية بالوحدات والشركات الحكومية.
"الاقتصاد والتنمية": تملك السلطنة أفضل بينة أساسية بشهادات دولية، وهذا بالطبع بفضل الله وثمرات النهضة المباركة بقيادة السلطان الراحل -طيب الله ثراه- والآن جاء الدور للحفاظ على المكتسبات، وتطويرها، وفق المعايير العالمية الحديثة، والمواطن بلا شك مُدرك لما تحقق على مستوى البنية الأساسية، بل وفخور بما تم إنجازه، كما ينبغي الحرص على التعلم من دروس الماضي، وإيجاد مصادر دخل إضافية لرفد ميزانية الدولة غير النفط والسلطنة بحكم موقعها الجغرافي لا تخلو من هذه المصادر؛ أهمها: الثروة التعدينية المهدرة وقطاع السياحة والصناعة واستغلال المصادر الاقتصادية الأخرى التي تزخر بها السلطنة الاستغلال الأمثل؛ من خلال تعديل التشريعات التي تَسمح لها كبح الهدر الذي يتمُّ من قبل المتعاملين مع هذه القطاعات ومراجعة ومتابعة الرسوم المستحقة للدولة وعدم التهاون في جنيها، لا سيما إذا علمنا أنَّ السلطنة تعتبر من أكبر الدول المنتجة للجبس والكروم والرخام.. وغيرها من الموارد الطبيعية، وهنا يكمُن السؤال: أين هو استغلال هذه الثروات بالشكل السليم والنافع الذي يعود خيره على الوطن وشعبه؟!
وجاء إعطاء صلاحيات إضافية للمحافظين -كل في محافظته- من خلال تنمية المحافظات واستغلال كل محافظ لإمكانيات محافظته، وما تحظى به من مميزات، ومن هنا سوف نرى مبدأ التنافس بينهم؛ مما من شأنه أن ينعكس إيجابا على تلكم المحافظات وقاطنيها.
وبالنسبة للقطاع الخاص، فما يتبادر للذهن هنا كيف يجب أن نجعله داعما لموازنة الدولة وليس عبئًا عليها؟ وكيف نجعله قطاعا مغريا للتوظيف بالنسبة لأبنائنا في ظل وضعه الحالي (المزري)؟ وكيف يجب أن نحمي أبناءنا من التهميش والإجراءات التعسفية من قبل الوافدين؟
أتمنَّى من وزارة العمل أن تكون يدها ثقيلة حازمة على الشركات التي تسرح شبابنا بكل بساطة، ليعاني بعدها أولئك المساكين أيما معاناة لا يعلم فيها سوى الله، وأن يتم إعادة هيكلة القطاع الخاص ليكون شريكا أساسيا مع القطاعات الأخرى في تنمية موارد الدولة، كما أتمنى إعطاء الفرصة للشركات الصغيرة والمتوسطة بعدما عانت طويلا من احتكار الشركات الكبرى في السوق، لا سيما في المناقصات الحكومية، ومن الضروري متابعة تفعيل قرار مجلس الوزراء بتحديد ما نسبته 10% من المناقصات الحكومية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وإلزام الوحدات الحكومية بذلك، بل ومحاسبتها إنْ قصرت، والسعي لعدم التأخير في سداد مخصصاتهم المالية المستحقة لهم لعدم وجود غطاء مالي كافٍ لديهم يعينهم على تحمل مصروفاتهم.
"الحوكمة والأداء المؤسسي": في اعتقادي أنَّ إصدار نظام أساسي جديد للدولة من قبل عاهل البلاد المفدى السلطان هيثم بن طارق المفدى -أيده الله- والذي جاء متزامنا مع الذكرى الأولى لتولي جلالته مقاليد الحكم، هو خطوة إيجابية على الطريق الصحيح ليُواكب المرحلة المقبلة من النهضة المتجددة، والنظر بعين متفائلة مشرقة لغد أفضل لعمان، ومن أهم ما تضمنه التغيير من وجهة نظري وما يتناسب مع حكومة الأداء المؤسسي هو إنشاء لجنة تتبع جلالته مباشرة تتولى متابعة وتقييم أداء الوزراء ووكلاء الوزارات ومن في حكمهم، وهذا ما سيضمن لنا تجويد الأداء الحكومي من حيث المتابعة والتقييم، ستتم من أعلى الهرم وبما يضمن وصوله لبقية أطراف المؤسسة على أكمل وجه، وبكل سلاسة، وهذا ما يجب أن يدركه كل مسؤول أنَّ المنصب تكليف وأداء أمانة على أكمل وجه، قبل أن يكون تشريفا ولبس بشوت ووجاهة، لا أن يتصور المسؤول أنه بعيد عن المتابعة والمحاسبة... وجاء دعم دور جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة ليكون بمثابة الركيزة الأساسية ضد الفساد واستغلال السلطة والمركز، وقيام جهاز الرقابة بدوره على أكمل وجه دون تقييد أو تحييد لمساره، وبما يضمن الشفافية والمصداقية والأمانة لجعل القطاع الحكومي قطاعا منتجاً لا عائلا مكلفاً.
المواطن البسيط لا تهمُّه التفاصيل الدقيقة لرؤية "عُمان 2040" ولا يفهم في المصطلحات المتخصصة ولا التعريفات البحتة، ما يهمه هو نتائج إيجابية للرؤية تحسِّن وضعه، وتشعره بالأمان الوظيفي، واستمرار دخله وثباته، دون ضرائب إضافية تُثقل كاهل الحياة عليه.
المهم لديه كيف سيستفيد هو اليوم وأبناؤه بالغد، والحقيقة تقال يُؤلمه نقصان راتبه عوضا عن الزيادة، لكنه منصاع طوعا لقرارات الدولة لحين وصول عُمان لشاطئ الأمان.. كل التقدير والشكر للعاملين في رؤية "عمان 2040"، وكل ما نتمنَّاه أن تحقق هذه الرؤية الأهداف المرجوة منها على أرض الواقع المعاش للوصول للهدف المنشود من أجل خير عُمان.