حقوق الامتياز تنظمها القوانين الخاصة

 

د. مصطفى راتب

أستاذ مساعد بكلية البريمي الجامعية

وردت الأحكام العامة لحقوق الامتياز في الباب الثالث من قانون المعاملات المدنية العماني والذي تضمنته المادة 1086 بنصها على أنَّ "حقوق الامتياز تنظمها القوانين الخاصة" من الصعب إعطاء تعريف جامع ومانع لحقوق الامتياز، وذلك يرجع إلى تعدد محلها فهي لا ترد على محل من طبيعة واحدة، فبعضها عام يرد على جميع أموال المدين سواء كانت منقولة أو عقارية والمتواجدة عند التنفيذ بغير تخصيص، وبعضها خاص يرد على مال معين من أموال المدين سواء كانت عقارا أو منقولا، حقوق الامتياز أولوية يقررها القانون لدين معين مراعاة منه لصفته ولا يكون للدين امتياز إلا بمقتضى نص قانوني.

حقوق الامتياز تتميز بالخصائص التالية: أولا: حق الامتياز تأمين قانوني إن حق الامتياز لا يتقرر إلا بنص في القانون، والنصوص التي تمنحه يجب أن تفسر تفسيرا ضيقا، فالامتياز لا يكون إلا بنص لذلك فهو حق لا يقاس عليه، والقانون هو الذي يعين مرتبته، وهو في هذا يختلف عن الرهن التأميني والحيازي فكلاهما ينشأ بمقتضى عقد.

ثانياً: الامتياز للحق وليس للدائن. الامتياز يتقرر لصفة الحق أو طبيعته، فأي حق توافرت فيه صفة يرعاها القانون وينص على أنها ممتازة يكون حقاً ممتازاً بموجب هذه الصفة أياً كان الدائن، وبالتالي يظل الحق ممتازا تحت يد المحال له في حالة الحوالة، أو الموفى له في حالة الوفاء، أما في الحقوق العينية التبعية الأخرى الممتاز هو الدائن وليس الحق، ففي الرهن التأميني أو الحيازي الدائن هو الذي يمتاز لا لصفة في الدين.

ثالثاً: حق الامتياز حق عيني تابع وغير قابل للتجزئة لا خلاف في الفقه في أن حقوق الامتياز الخاصة عدا الامتياز على الديون حقوق عينية لأنها سلطة مُباشرة لشخص على شيء مُعين بالذات، وتعطي صاحبها ميزتي التقدم والتتبع"، تشترك حقوق الامتياز كلها، مهما كان نوعها، عامة أو خاصة على منقول أو خاصة على عقار في أنها تقرر لصاحبها الحق في التقدم وفق المرتبة التي يحددها لها القانون؛ بينما التتبع فإنه يقتصر على حقوق الامتياز الخاصة دون العامة.

إن حق التتبع يصطدم بحق من حاز المنقول المثقل بحق الامتياز بحسن نية، كما إن حق التتبع يتوقف نفاذه في حقوق الامتياز الخاصة الواقعة على عقار يقيد حق الامتياز وفق الأوضاع المنصوص عليها قانوناً وتنقسم حقوق الامتياز إلى عامة وخاصة، وتنقسم الخاصة إلى حقوق امتیاز خاصة واقعة على منقول، وحقوق امتیاز خاصة واقعة على عقار.

فحقوق الامتياز العامة تخول صاحبها حق التقدم على ثمن المال المقررة عليه دون حق التتبع كونها لا ترد على مال مُعين بالذات، كما أنها لا تخضع للشهر ولو كان محلها عقارًا غير أنَّ حقوق الامتياز العامة ولو كانت مترتبة على عقار لا يجب فيها الإشهار ولا حق التتبع، أما حقوق الامتياز الخاصة، فإنها تخول حق التقدم وحق تتبع المال المثقل بالامتياز في أي يد يكون. غير أنَّ حقوق الامتياز الخاصة الواقعة على منقول لا تخضع للشهر لعدم وجود نظام شهر الحقوق العينية المنقولة، بينما حقوق الامتياز الخاصة الواقعة على عقار يجب شهرها كي تكون نافذة وتتحدد مرتبتها من وقت القيد وعلى ذلك فإنَّ حقوق الامتياز كلها تقرر لصاحبها حق الأفضلية (التقدم)، أما حق التتبع فإنِّه ميزة مقررة لحقوق الامتياز الخاصة دون العامة.

ويتقدم الدائن صاحب حق الامتياز في استيفاء حقه من المال المثقل بالامتياز أو ما يحل وفقاً لمرتبته، فوعاء التقدم هو المال محل الامتياز أوما يحل محله، وهو في حقوق الامتياز العامة كل أموال المدين الحاضرة والمستقبلية، أما في حقوق الامتياز الخاصة؛ فهو مال مُعين بالذات، فإذا هلك محل الامتياز انتقل وعاء التقدم إلى ما يحل محله من التعويض أو مبلغ التأمين، وبالنسبة لمرتبة حق الامتياز، فإنَّ الدائن صاحب الحق الممتاز يتقدم بحقه على كل الدائنين العاديين والدائنين المرتهنين.

ومرتبة الامتياز يحددها القانون، فإذا لم يوجد نص خاص يعين مرتبة الامتياز وكانت الحقوق الممتازة في مرتبة واحدة، فإنها تستوفى عن طريق التسابق، ما لم يوجد نص قانوني يقضي بغير ذلك فإذا تعددت الحقوق المُمتازة، وقرر لها جميعاً مرتبة واحدة، فإنَّ الأفضلية تثبت للحق السابق في النشوء على الحق اللاحق، فالعبرة هنا بتاريخ نشوء الحق.

وفيما يخص حقوق الامتياز العامة، وحق امتياز المبالغ المستحقة للخزينة، إذا وقعا على عقار فيتقرر لهما الأسبقية في المرتبة على أي حق امتياز عقاري آخر أو أي رهن مهما كان تاريخ قيده، وفي حالة التزاحم بينهما يتقدم حق امتياز المبالغ المستحقة للخزينة العامة على حقوق الامتياز العامة. أما فيما يخص حقوق الامتياز الخاصة الواقعة على عقار، عدا المبالغ المستحقة للخزينة العامة فيجب شهرها وتتحدد مرتبتها من تاريخ القيد طالما أنها تخضع لأحكام الرهن التأميني بالقدر الذي لا تتعارض فيه طبيعة هذه الحقوق لاسيما أحكام القيد وآثاره وشطبه.

ثانيا: حق التتبع

الصاحب حق الامتياز الخاص حق تتبع العقار أو المنقول الوارد عليه الامتياز في أي يد يكون، أما حقوق الامتياز العامة فلا تقرر لصاحبها ميزة التتبع، كون أن وعاء الأفضلية في حقوق الامتياز العامة يتحدد بأموال المدين جميعها من جهة، ومن جهة أخرى يرد على تلك الأموال التي تكون لديه وقت التنفيذ.

وحق التتبع المُثبت لحقوق الامتياز الخاصة الواقعة على منقول يفسره ورود حق الامتياز على منقول مُعين بالذات، مما يجعل حق الامتياز هذا يتصف بوصف الحق العيني التبعي غير أنَّ حق التتبع المقرر للامتياز الخاص الواقع على منقول يتعطل إذ ما تصادم مع قاعدة (الحيازة في المنقول بحسن نية سند الحائز)، فقد نظم حق التتبع بما لا يتعارض مع مصلحة الغير حسن النية، لذلك لا يحتج بحق الامتياز على من حاز المنقول بحسن نية.

ومثال حقوق الامتياز العامة ما تنص عليه المادة 47 من قانون الأحوال الشخصية "للنفقة المستمرة امتياز على كافة الديون". والمادة 54 من قانون العمل: "يكون للأجور والحقوق والفوائد الأخرى وجميع المبالغ المستحقة للعامل أو لمن يستحقون عنه بمقتضى أحكام هذا القانون الأولوية على سائر الديون الواجبة على صاحب العمل وذلك فيما عدا النفقة الشرعية المحكوم بها".

ونص المادة 50 من قانون السجل العقاري: "تتم عملية التسجيل في أمانة السجل العقاري وفروعها بالمطابقة للمستندات المقدمة بحسب أولوية قيد الطلبات".

ونص المادة 413: "إذا كانت حصيلة التنفيذ غير كافية للوفاء بجميع حقوق الدائنين الحاجزين، ومن اعتبر طرفاً في الإجراءات، حدد قاضي التنفيذ جلسة لإجراء تسوية ودية بناء على قائمة توزيع مؤقتة يودعها أمانة سر المحكمة يُبين فيها حصيلة التنفيذ التي ستكون محلا للتوزيع وتحديد الديون التي لها أولوية بحسب مراتبها وفقاً للقانون وتوزيع البقية من الحصيلة بين الدائنين العاديين وتبدأ إجراءات التوزيع بأن يعد قاضي التنفيذ، بناء على طلب أحد ذوي الشأن، قائمة توزيع مؤقتة يودعها أمانة سر المحكمة".