مستهدفات الاقتصاد الكلي

 

مسلم مسن

يتمثل أحد مستهدفات الاقتصاد الكلي لخطة التنمية الخمسية العاشرة (2021- 2025) في زيادة مُساهمة القطاع الخاص في الاستثمار لتصل إلى 60%، وقد أصدر حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- المرسوم السلطاني السامي رقم 1/ 2021 باعتماد خطة التنمية الخمسية العاشرة، وهي الخطة التنفيذية الأولى لرؤية "عُمان 2040"، وتبعه المرسوم السلطاني السامي رقم 2 /2021 بالتصديق على الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2021، والتي تعد البرنامج المالي للسنة الأولى من خطة التنمية العاشرة.

وأوضحت وزارة الاقتصاد أنَّ أبرز مستهدفات الاقتصاد الكلي لخطة التنمية الخمسية العاشرة تتلخص في تحقيق معدل نمو حقيقي للناتج المحلي الإجمالي لا يقل عن متوسط 3.5% وتحقيق معدل نمو الناتج المحلي بالأسعار الجارية في المتوسط بــ5.5% وزيادة معدل الاستثمار ليصل إلى 27% من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاستثمار لتصل إلى 60% وتحقيق معدل نمو حقيقي للأنشطة غير النفطية بــ3.2% وجذب مزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات النفطية وغير النفطية ليبلغ 10% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية الخطة.

يُركز هذا المقال على المستهدف الخاص بزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاستثمار بالخطة إلى نحو 60% وكيفية تحقيقه وذلك لأهميته كونه- من وجهة نظري- أحد العوامل الرئيسية لنجاح هذه الخطة على وجه الخصوص ورؤية عُمان 2040 في جميع مراحلها. ولستُ بصدد اختبار مدى واقعية هذا الموجِّه الكلي من عدمه لأن المُخططين قد تكون لديهم تفاصيل تؤيد افتراضاتهم المبنية للحصول على تمويل لاستثمارات الخطة بنسبة 60% من القطاع الخاص، كما لن تستوقفني طويلاً عبارة "القطاع الخاص" ومن سيموِّل النصيب الأكبر من الـ60% لبرامج واستثمارات الخطة؛ هل القطاع الخاص المحلي أم الأجنبي أم المختلط؟! رغم القيمة الاقتصادية والمالية المعتبرة للاستثمار المتأتي من القطاع الخاص الوطني وانعكاساته الإيجابية داخل البلاد في هذه الأوقات. ما يهمني هو أن يصل المخططون فعلاً لهذه النسبة التي تعد محرزة تنموياً واقتصادياً بكل المقاييس إذا ما تحققت، وأن تكون لديهم السياسات والآليات والممكنات المناسبة للوصول لتلك النسبة، كما لابد وأن يكونوا متيقنين ولديهم الدراسات المؤيدة بأن القطاع الخاص قادر على تمويل هذا الاستثمار وبالمستوى المطلوب، ولديهم الرؤية الواضحة في كيفية تطوير القدرة الاستيعابية (الإنتاجية والتقنية والخدمية) والتمويلية لهذا القطاع الذي يعوَّل عليه الكثير في أن يقود دفة الاقتصاد في المرحلة المقبلة، ويأخذ دوره الطبيعي في عملية التحول الاقتصادي نحو تعميق التنويع على مستوى القطاعات والإيرادات لصالح الشق غير النفطي.

ولمزيد من التركيز على هذا المستهدف الكلي الهام، قد يكون من المناسب- من وجهة نظري- اتباع عدة مسارات كلية وتخصصية وفنية نقترحها هنا ولا زلنا في بداية الخطة، علَّها تسهم في تعزيز دور المنفذين لتحقيق الــ60% من تمويل استثمارات الخطة عبر القطاع الخاص، وهي كما يلي:

  • للخطة حوالي 345 برنامجاً سينبثق عنها مشروعات تعلن في الربع الأول من 2021. ولذا يتعين تحديد الفرص بدقة وتذليل العقبات التي تواجه القطاع الخاص في القطاعات والمجالات التي تقع ضمنها تلك المشروعات، وهو أمر في غاية الأهمية من الآن؛ حتى يتمكن القطاع من اقتناص تلك الفرص ويلبي متطلباتها سواء من ناحية الجاهزية الإدارية أو التنافسية أو التمويلية أو الفنية. كما إن عملية تحديد الروابط الأمامية والخلفية للمشروعات وتوزيع ثمارها على القطاع الخاص خصوصاً المؤسسات الصغيرة والمتوسطة سيعود بالنفع ويعزز القيمة المضافة ويُمكِّن من تحقيق أكبر قدر من المساهمة في استثمارات الخطة.
  • الجانب الآخر الذي يمكن أن ينشغل به المخططون والمنفذون للخطة العاشرة للوصول إلى نسبة الـ60% المشار إليها أهمية التنسيق مع الجهات المشرفة على السياسة الإقراضية والتمويلية وعلى رأسها البنك المركزي العُماني. هذا التنسيق لابُد وأن يركز على مُراجعة التمويل والائتمان الذي يحصل عليه القطاع الخاص. وقد تناولت في مقال سابق بتاريخ 14 ديسمبر 2020 توزيع الائتمان بين القطاعات وفق الأرقام الفعلية لعام 2019. وتحتاج خارطة الائتمان الحالية ونوعية البرامج والمشروعات في خطة التنمية العاشرة، إلى ترابط وثيق (Matching)، هذا الترابط يعني أن تتحد الأدوات النقدية (سياسة الإقراض) لخدمة غرض السياسة المالية متوسطة المدى المتمثلة في خطة التنمية العاشرة، فعندما  يتوفر ائتمان/ تمويل وبضمانات معقولة للقطاع الخاص في إطار القطاعات التي تتركز بها مشروعات الخطة فإنَّ ذلك بلاشك سيسهم في أن يستحوذ القطاع الخاص على نصيب جيد من استثمارات الخطة، وهنا ربما يكون تحقيق نسبة الـ60% أقرب على الأقل من زاوية التمويل.
  • نعلم جميعاً البطء الحاصل في شق التراخيص والإجراءات ومراحل وعدد المطلوبات التي تطول قوائمها خصوصاً عند الحديث عن  المشروعات، بدءًا من التصاميم إلى عمليات التناقص والتحليل، انتهاء بالإسناد لشركات القطاع الخاص واستخراج تصاريح العمل والبناء والمأذونيات والحصول على الدفعات المالية. وهناك جهود حكومية للتقليل من بطء تلك الإجراءات والتراخيص ونأمل أن تصل للغاية المطلوبة في القريب العاجل. إن التعجيل في عمليات التطوير الحاصل في هذا الجانب سينعكس إيجاباً إذا ما تحقق على تسريع إنجاز القطاع الخاص للاستثمارات المسنودة له بالخطة.
  • ضرورة استحداث مؤشر (Index) يقيس بدقة حجم مساهمة القطاع الخاص في استثمارات الخطة يمتاز بالشفافية ويحتوي على عناصر واضحة منها: مقدار الاستثمار ونوعيته وقطاعاته ومجالاته، نصيب الشركات المتوسطة والصغيرة من الاستثمار، نسبة التمويل/ الائتمان للمستثمر المحلي والمستثمر الأجنبي كل على حدة، نسب الإنجاز وفق المُخطط (وفق برنامج الخطة). إنَّ مثل هذا المُؤشر بعناصره المذكورة وغيرها قد يسهم في توجيه أي انحراف تخطيطي خلال سنوات الخطة ويُساعد على تلافي مواطن الضعف التي تواجه القطاع الخاص دون تحقيق الــ60% من استثمارات الخطة.
  • التخطيط الإقليمي للاستثمارات- على مستوى المحافظات- يبرز كمصطلح لابُد وأن يلامس واقع برامج ومشروعات خطة التنمية العاشرة من زاوية ذلك الموجه الاقتصادي الكلي الذي يفترض أن يساهم القطاع الخاص بنسبة 60% في استثمارات الخطة. هنا تأتي أهمية اقتصاد المحافظات بعد تأسيس مجلس المحافظات وتعزيز صلاحيات المحافظين وإطلاق قانون المجالس البلدية، الأمر الذي يحتم على القطاع الخاص داخل المحافظات الاستفادة من البرامج والمشروعات والاستثمارات التي أصبحت تشرف عليها المحافظات. كما إنَّ هناك أهمية قصوى في تعزيز دور الشركات الأهلية الاقتصادي وفق حوكمة وإدارة تبتعد عن الصراعات عديمة الفائدة وتركز على قواعد العمل الخاص والربحية وبلورة مفهوم المسؤولية الاجتماعية، حينها فقط ستأخذ تلك الشركات نصيبا جيدا من استثمارات الخطة.

ختاماً.. نتمنى أن يتحقق المستهدف الكلي الخاص بمساهمة القطاع الخاص في استثمارات الخطة لأهميته القصوى لأنَّه مؤشر اقتصادي له ما بعده، فحتماً كلما تعززت مُساهمة القطاع الخاص في استثمارات الخطط التنموية، كسبنا اقتصادا متينا يتجه نحو المزيد من النمو والتنوع.