هل سنعبُر جسر التعمين إلى واحة التمكين؟

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

نَتَبادل الأدوار في الحديث عن الاقتصاد، والكثيرُ منا يُعطي وجهة نظره، وعندما يكثُر الحديث في أمرٍ ما، فإمَّا أنَّ هنالك أسبابًا جوهرية فرضت هذا الواقع، وإمَّا أنَّ الطموح بالأفضل جعل من الأمر ثقافة مجتمع، وعلى كل الأحوال فإنَّ وجهات النظر والاستشارة والاستماع هي دوماً ذات مردود إيجابي إذا صدق الهدف، وإذا كانت هنالك عقول أكثر بُعداً وأقوى فراسة، ولديها النيَّة لجمع ذلك في بوتقة عمل جريء نصل من خلاله جميعا إلى الأفضل.

لو سألنا أنفسنا جميعاً، وبكل مصداقية: هل عالم التجارة في الوطن بخير؟ وأنَّه في المسار الصحيح؟ وهل حقا نُعالج الوضع الاقتصادي في الوطن، وهل إذا وَضعنا هذا الأمر الكبير فإنَّ علاجنا يسيرُ في الطريق الصحيح أيضاً؟ وكذلك: فهل عقولنا جميعاً قدَّمت كل ما يمكن في هذا الجانب، وأنه لا بديلَ أفضل؟ وهل لو عالجنا هذا الملف بأسلوب آخر يُمكن أن نصنع الفارق الحقيقي في اقتصاد عُمان وحل مُشكلة الباحثين عن عمل؟ وما هي الدراسات الميدانية الفعلية التي هي مُتوفرة لدينا عن حجم هذا الأمر، فإذا كانتْ الدراسات المتوفرة مبنية على ما هو مُتوفر من وثائق في أروقة المكاتب، فإن خوفي الكبير أن ننطلق من معلومات لا تعكس الحقيقة؛ ولذلك: ما هي المشاريع والمحلات والمهن وما يتم تداوله من تجارة بالأموال العمانية التي ندفعها جميعاً أفراداً وحكومة يمتلكها الوافد ويديرها وتذهب أموالها نزيفاً عميقاً خارج الوطن؟ وهل يُمكن لجهةٍ رفيعة عاقلة متفهمة لما نقول أن تضع وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار وغرفة تجارة وصناعة عُمان وبنك التنيمة والصناديق الداعمة، أن نضعها جميعاً في دائرة المساءلة والتقصِّي والتحقيق، ونسألهم من يَدعمون؟ ومن يُديرون؟ وماذا قدَّموا فعليًّا لحل هذا الأمر؟ وهل الخصخصة والتعمين قرارات مُتواضعة لم تحكمها قوانين صارمة وملزمة ومتابعة على أرض الواقع بإصدار الأوامر الخجولة في دائرة المكاتب المكيفة؟!

لذلك؛ أقترح البدء فوراً ودون تأخير، في دمج المؤسسات التي ذُكرت سلفاً، في دائرة واحدة فقط، وأن توجَّه الأموال التي يُسهم بها كل سجل تجاري إلى صندوق يُسمى مثلاً "تمكين"، وأن يتم من خلاله النزول، وبملابس تشابه ملابس العامل العُماني إلى ميدان العمل كالمَزَارع والشواطئ والموانئ والمحلات والورش، وتقديم دعم مباشر ومتابعة وتدقيق وتمكين العماني، والأخذ بيده وبأسلوب مدروس ومنطقي، حتى يكون هو الواجهة، وفي وقت قياسي قد لا يكون في مخيلة الكثيرين أنْ يُقدم العماني لوطنه ونفسه مُعجزات لا تصدق، أما وبالأسلوب الحالي وبإعلان متواضع تعمين بعض المهن يتم التحايل عليها، والموظف المعني تحت المكيف يجيد التنظير وصرف الأموال، فلن نتقدم مطلقاً .

وفي هذا الجانب، سأُعطي مثالاً متواضعاً وبسيطاً يُمكن البناء عليه في كثير من الجوانب، وكما أذكر دوماً أن في الوطن من الكفاءات الفاعلة والرائعة، مَنْ لو أعطي الفرصة الفعلية لحققنا كل ما نتمنى؛ فعمان عظيمة في كل شيء.

وهذا المثال قد لا يَصِل إلى أقل من الأجزاء من 1% من التجارة في الوطن، غير أنني وفقط أوضح الفكرة العامة للمعنيين بالتجارة، وتغيير بوصلة العمل إلى الإنتاج، وتوضيح الواقع الفعلي للتجارة وسيطرة الوافد .

تُنتج السلطنة ما يقارب الـ25 ألف طن من الموز سنويًّا، تخرج من المزارع بما يُقارب 90 بيسة فقط للكيلوجرام الواحد، وتصل إلى المستهلك أخيرا بسعر نصف ريال تقريباً وحسب الموسم.

الفارق الهائل بين البيع الأول والأخير، ذلك أنَّ المالك العُماني لا يزال شريكاً بالأرض؛ فقد يكون نصيبه ليس أكثر من 30 بيسة، بصورة إيجار للمزرعة بعد ذلك يكون الأمر بين مشتري الجملة والموزع والبائع، وخوفي الكبير أنْ تكون كل هذه الدائرة من الوافدين؛ فماذا لو سخَّرنا الجهات المختصة في التجارة لمتابعة ودعم مجموعة من الشباب العماني، ووقفنا معهم في مواجهة أخطبوط الوافدين الذين لا يستطيع المبتدئ العماني منافستهم ومقاومة واختراق الدائرة التي يعملون من خلالها إلا بوقفة مختصة من المعنيين، وكذلك فإنَّ موظفي الجهات المختصة سيعرفون تماماً حجم الصعوبة والمعاناة التي يُواجهها المبتدئ، وكم هو بحَاجة لوقفة جادة؛ فالدول التي تعرفُ قيمة التجارة تسخّر حتى أجهزتها الاستخبارية للحصول على المعلومات والتكنولوجيا المتطورة من الدول وتسخيرها لتحقيق الأفضل في المجال التجاري، ونحنُ لا يزال طموحنا في السيطرة على ما نملك من تجارة، وإذا نجحنا في تحقيق مثل هذا الأمر فيمكن التعميم على نشاطاتٍ أخرى وإنني لعلى ثقة من أننا يمكن أن نصل إلى ما نريد.

وأخيراً.. في عالم التجارة، فإنَّ أي منصب لوزير أو وكيل أو مدير أو رئيس غرفة على مستوى الولايات والمحافظات، وعلى مستوى السلطنة، لم ينجح في تمكين المواطن العُماني من السيطرة الفعلية بالربح والخسارة على نشاط معين أو نشاطات معينة، عليه أن يعتذر لنفسه ولوطنه على خسارة الأوراق التي كتب عليها، ناهيك عن أي شي آخر.

وأنْ لا يعزو أي فشل في هذا الجانب إلا على نفسه، متمنياً من المسؤولين في المستوى الأعلى وضع جدول زمني وخطة لكل مسؤول لهذا الإنجاز، ولا يقبل أي حديث إنشائي غير لغة الأرقام، وكما ذكرت في أكثر من مناسبة أننا وإن بدأنا العمل الميداني والإنتاج الفعلي لأفرزت الأيام كفاءات عُمانية عظيمة لا مكان لها اليوم؛ لأن الكراسي وإلى اللحظة مملوءة بالمنظِّرين الذين يحضرون الاجتماعات ويوقعون البريد اليومي.