آليات حماية الملكية العقارية

د. مصطفى راتب *

* أستاذ مساعد بكلية البريمي الجامعية

من أجل بسط الحماية للملكية العقارية، حرص المشرِّع العماني علي وضع سلسلة مهمة من النصوص التشريعية؛ منها ما يتضمَّن قواعد موضوعية، ومنها ما يتضمن قواعد إجرائية، تعمل كلها على تمكين الطرف المتضرِّر من اللجوء إلى القضاء للمطالبة بحماية حقه، ووضع حدٍّ للاعتداء من أهم الدعاوى العقارية في مجال المنازعات العقارية، وهي دعوى الاستحقاق العقارية، نظرا لكون المدعي فيها يرمي من ورائها إسناد ملكية العقار إليه ونزعه من يد حائزه؛ إذ إنَّ محلها ينصب على المطالبة بملكية العقار المدعى فيه، أي أنَّ رافعها يُطالب فيها بملكه المتواجد تحت يد الغير.. والاستحقاق العقاري على نوعين؛ فهو إما أن يكون أصليا ويُسمى بـ"دعوى الاستحقاق الأصلية" تُرفع في الأحوال العادية، وإمَّا أن يكون فرعيًّا ويُسمى بـ"دعوى الاستحقاق الفرعية" يُلجأ إليها في الحالة التي يكون فيها العقار موضوع حجز عقاري.

ووفقا للمادتين 408 و410 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية العماني، فإنَّ شروط دعوى الاستحقاق العقارية: منها ما هو موضوعي (الصفة والأهلية والمصلحة)، ومنها ما هو شكلي يتصل بشكليات صحيفة الدعوى وما يتطلبه من بيانات. أولا: الشروط الموضوعية" يلزم في رافع دعوى الاستحقاق العقارية أن يكون ذا صفة، بمعنى أن تكون له ولاية مباشرة الدعوى سواء بنفسه أو بواسطة نائبه، كما يجب أن يكون أهلا للتقاضي، والأهلية المقصودة هنا هي أهلية الأداء التي تتوافر لدى الشخص ببلوغه 18 سنة شمسية كاملة، والمقصود بها صلاحية الشخص لممارسة حقوقه الشخصية والمالية ونفاذ تصرفاته، يضاف إلى ذلك شرط المصلحة، والمقصود بها تلك المنفعة العملية المادية أو المعنوية التي تعود على المدعي من الحكم له بطلباته؛ إذ لا دعوى حيث لا مصلحة، هذه الأخيرة التي يجب أن تكون قانونية وحالة مستحقة ومباشرة، ثم هناك شرط آخر وهو الإذن بالتقاضي إن كان ضروريا.

ثانيا: الشروط الشكلية: وتتجلَّى أساسا في ضرورة تضمين صحيفة دعوى الاستحقاق للبيانات الإلزامية المنصوص عليها، ويجب أن تتضمن هذا الصحيفة الأسماء الشخصية والعائلية وصفة أو مهنة وموطن أو محل إقامة وكيل المدعي، وكذا عند الاقتضاء أسماء وصفة وموطن وكيل المدعي عليه، وأنواع دعوى الاستحقاق والتمييز بينها وبين دعاوى الحيازة: يقتضي منا هذا المطلب الحديث في فقرة أولى عن أنواع دعوى الاستحقاق، قبل أن نعرِّج في فقرة ثانية على تمييزها عن دعاوى الحيازة.

أنواع دعوى الاستحقاق العقارية: تنقسم دعوى الاستحقاق إلى دعوى استحقاق أصلية وترفع في الأحوال العادية يرمي من خلالها المدعي الحكم لصالحه باستحقاقه للعقار أو أي حق عيني عقاري يدعي ملكيته. وهناك دعوى الاستحقاق العقارية الفرعية، ويتم اللجوء إليها عندما يكون العقار موضوع إجراء حجز عقاري، وهي دعوى موضوعية يرفعها الغير أثناء التنفيذ، مدعيا ملكية العقار المحجوز عليه، ومطالبا بتقرير حقه عليه أو على جزء منه، وكذلك بطلان إجراءات التنفيذ.

وتعرف دعوى الاستحقاق الفرعية بأنها "الدعوى التي يقيمها من يدعي ملكية أشياء يحاول شخص آخر واضع يده عليها أن يعتبرها ملكا له"، وتعرف أيضا بأنها "تلك الدعوى التي يرفعها الغير أثناء التنفيذ على العقار مدعيا ملكية العقار المنفذ عليه أو جزء منه، طالبا بطلان إجراءات التنفيذ لوقوعها على مال غير مملوك للمنفَّذ ضده".. ولكي تعتبر الدعوى دعوى استحقاق فرعية يجب أن تتوافر الشروط التالية:

أولا: يجب أن يتم رفع الدعوى بعد البدء في التنفيذ على العقار وقبل إيقاع البيع، ويبدأ التنفيذ على العقار بصدور قرار الحجز وتبليغ دائرة تسجيل الأراضي بوضع إشارة الحجز على صحيفة تسجيل العقار، ولهذا فإن هذه الدعوى تعتبر دعوى استحقاق فرعية إذا رفعت بعد وضع إشارة الحجز وقبل صدور قرار الإحالة القطعية. أما إذا رفعت هذه الدعوى قبل وضع إشارة الحجز أو بعد صدور قرار الإحالة القطعية فإنها تعتبر دعوى ملكية عادية وتسمى دعوى استحقاق أصلية، فالدعوى هذه لا تعتبر فرعية إلا لكونها ترفع أثناء إجراءات التنفيذ، وهي متفرعة عنه. أما دعوى الاستحقاق الأصلية، فإنها لا تعتبر متفرعة عن إجراءات التنفيذ؛ لذا فإنها تُقبل ولو بعد صدور قرار الإحالة القطعية، لأن هذا القرار لا ينقل للمشتري أكثر مما للمحجوز عليه، ولا تخضع هذه الدعوى للأحكام الخاصة بدعوى الاستحقاق الفرعية.

ثانيا: يجب أن يطلب المدعي ملكية العقار محل التنفيذ، ويستوي في ذلك أن يطلب المدعي ملكية العقار بالكامل أو ملكية جزء منه، ويجب أن تكون الملكية المطالب بها منجزة، لهذا فإن من يدعي ملكية معلقة على شرط واقف ليس له أن يرفع دعوى استحقاق حتى يتحقق هذا الشرط، وتطبيقا لذلك فإنه لا يجوز للمشتري بوكالة خاصة أن يرفع دعوى استحقاق إذا شرع دائن البائع في التنفيذ على المال غير المنقول باعتباره مملوكا للبائع؛ ذلك لأن الوكالة الخاصة لا تعتبر تملكا إلا بعد أن يتم تنفيذها في دائرة التسجيل، كما أنه لا يجوز لمن يدعي حقا على العقار غير حق الملكية كحق الارتفاق أو حق الانتفاع كالمستأجر أن يرفع هذه الدعوى، لأن طريق التمسك بحق الإجارة أو الارتفاق يكون بإبداء ملاحظات على قائمة شروط البيع في الميعاد المحدد لها؛ وهو ثلاثة أيام على الأقل قبل موعد الجلسة المحددة، لنظر الاعتراضات، ولأن دعوى الاستحقاق الفرعية ترفع بغرض المطالبة بالملكية فقط.

ثالثا: يجب أن يطلب المدعي في هذه الدعوى بطلان إجراءات التنفيذ، إضافة إلى طلب الملكية، لأنه إذا اقتصر طلب المدعي على الحكم بالملكية دون طلب بطلان الإجراءات اعتُبرت دعواه دعوى استحقاق أصلية وليست فرعية، ولا تترتب عليها في هذه الحالة الآثار التي رتبها القانون على دعوى الاستحقاق الفرعية، وتطبيقا لهذا الشرط فإنه إذا رفعت الدعوى أثناء إجراءات التنفيذ ثم زالت هذه الإجراءات سواء بزوال الحجز عنها أو لأي سبب آخر، فإنه لا يصبح محلًّا لبطلانها وتتحول الدعوى إلى دعوى استحقاق أصلية، بمعنى أنها تبقى قائمة، ولكن ليست كدعوى استحقاق فرعية إنما دعوى استحقاق أصلية.