حمد الناصري
لطالما حاول دهاقنة الغرب إبقاء تعريف الإرهاب فضفاضًا وهُلاميًا ليتمكنوا من إلصاقه بأيِّ مجتمع أو فكر لا يُناسب توجهاتهم أو تَسْييسه بالطريقة التي تنفع مصالحهم.
وقد عرّفت الجمعية العامة للأمم المُتحدة الإرهاب في (القرار 60/43) الصادر في يناير 2006، والذي يُعرِّف الأعمال الإرهابية بأنها "أعمال إجرامية يقصد أو يراد بها إشاعة حالة من الرعب بين عامة النَّاس أو جماعة من الأشخاص أو أشخاص مُعينين لأغراض سياسية" وإضافة لما ذكره التعريف فالإرهاب بشكل عام يدعو إلى زرع ثقافة الكراهية والعُنف وحرمان المجتمعات من السلام والأمان في الحياة، ناهيك عن زعزعة الاستقرار والسّلم الأهلي للشعوب والدول.
وبطبيعة الحال فالناس لهم مناظير مختلفة لفكرة الإرهاب ومنطقتنا العربية لم تكن على وعي ودراية بذلك المفهوم حتى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي حين بدأت موجات الهجرة اليهودية نحو فلسطين وظهرت عِصابات صهيونية إرهابية كـ الهاغانا والشتيرن والأرغون الصهيونية وتلك العِصابات نفّذت عمليات إرهابية وإجرامية تقشعرّ لها الأبدان لغرض ترهيب أهل فلسطين ودفعهم لترك أرضهم وكانت أخطر عملية إرهابية في 22 يوليو عام 1946 نفذّتها عصابة الأرغون الصهيونية ضِد فندق الملك داوود في القدس وخلّف الهجوم أكثر من مئة قتيل مُعظمهم بريطانيون وبزعامة الإرهابي المطلوب الأول عالميًا وقتئذ مناحيم بيغن والذي أصبح فيما بعد ولطرافة الأقدار رئيسًا لحكومة إسرائيل بل وتمّ منحه جائزة نوبل للسلام.!
ومن خلال قراءاتنا إلى توصيفات الإرهاب وتعريفاته الواسعة لم نجد اتفاقًا أو تعريفاً أممياً ودولياً مقبولاً، ولذا فإنّ الجدل يستمرّ وتُثار النقاشات حول ماهية الإرهاب.. طبيعته.. اشتقاقاته.. نطاقه.. مفهومه.. ولكن المُتفق عليه أنّ الإرهاب عبارة عن أعمال عُنف غير شرعية وغير مُبررة تستهدف الأبرياء والآمنين.. مدارس. أسواق. تدمير بُنية تحتية. محطات الطاقة. وسائل نقل. خطف. احتجاز.
ودأب المحللون والإعلاميون في الدول الغربية على توجيه أصابع الاتهام بالإرهاب نحو الجماعات الإسلامية المُتطرفة تحديدًا لحصر فكرة الإرهاب في مخيّلة شعوبهم عند المسلمين فقط واستمرّت هذه الحملة لثلاثة عقود أو أكثر حتى صدّق المسلمون أنفسهم أنّ الإسلام هو سبب رئيسي للإرهاب وانتشرت ظاهرة الإسلاموفوبيا على نطاق عالمي وفيما كانت تلك الجماعات الإسلامية الإرهابية ذات طبيعة راديكالية تطرفيّة تتميز بها كل الجماعات ذات النزعة المُتطرفة وأفكار مُتشدّدة من كل الأديان والاتجاهات وكانت دوافعها سياسية بحتة وأيدولوجياتها وأهدافها مُعلنة ، عدم المُساواة اجتماعياً واقتصاديًا وشُعور بالتهميش والظُلم ، الفقر ، البطالة ، تتناقض كليًا مع دوافعها المُبطنة في نشر الكراهية والعنف واستغلال الشعوب، ورغم الأدلة على براءة الإسلام من تُهمة الإرهاب كبراءة الذئب من دمّ ابن يعقوب، وهي كثيرة ومن مصادر غربية إلا أنّ ظاهرة الإسلاموفوبيا لا تزال موجودة و مما يزيد سِعارها وسائل إعلام وسياسيون مرتبطون بالحركة الصهيونية وقد نشرت منظمة الشرطة الأوروبية احصائية حول العمليات الإرهابية في الدول الغربية ، حيث أثبتت الدراسة أن العمليات الإرهابية التي نفّذها مسلمون لا تتجاوز نسبتها 2% من مجمل العمليات الإرهابية حتى عام 2013 بينما نفّذ بقية العمليات الإرهابية غير مُسلمين بنسبة بلغت 98% . وفي دراسة قامت بها جامعة كارولينا الأمريكية أثبتت فيها وبإحصائية دقيقة أنه في الفترة من عام 2001 ـ 2014 عدد مَن قُتلوا على أيدي مجرمين غير مسلمين " في الولايات المتحدة وحدها بلغ 190 ألف قتيل بينما عدد الذين مَن قُتلوا على أيدي مسلمين، يصل إلى37 شخصاً!!
وفي نفس السياق يُذكرنا التأريخ بمئات العمليات الإرهابية التي نفّذتها عصابات صهيونية أدمجت في جيش إسرائيل وتمّ تشكيلها في الأراضي الفلسطينية إبّان الانتداب البريطاني، واستمرّت حتى نكبة 1948 وقيام دولة إسرائيل، عِلْمًا أنّ بريطانيا نفسها صَنّفتها كمنظمات إرهابية ، ذلك أنّ جرائمها لم تقتصر على الفلسطينيين بل تعدّت إلى الجنود البريطانيين واليهود، وارتبطت هذه المنظمة بمجزرة دير ياسين واغتيال الدبلوماسي السويدي "الكونت برنادوت". وغيرها من الجرائم الإرهابية.
ويُوجد في الغرب ما يُعرف بجماعات اليمين المُتطرف، وهي حركات قومية مُتطرفة بعضها إرهابية وتستخدم العنف وسيلة لتحقيق أهدافها السياسية وتسعى لإقامة مجتمعات عرقية، ومن هناك نشأ ما يُعرف بتطرف الأساليب.. يقول مارتن لوثر كنج، الناشط في الحقوق المدنية ورجل الدين الأمريكي من أصول إفريقية، والذي أغتيل على يد متطرفين إرهابيين في رسالة شهيرة (هل سنكون متطرفين.؟ واستدرك بل سنصوغ الإجابة بشكل مختلف، هل سنكون مُتطرفين في حماية الطغيان أم في نشر العدالة؟) وفي رسالة شهيرة أخرى لــ مارتن لوثر كينغ وصف المسيح عليه السلام بأنه مُتطرف من أجل الحق والخير والمحبة والعدالة.؛ والرجل يُشير هنا، إلى أنّ التطرف له أساليب وعلى حد قوله ألاعيب، فهناك تطرف جيِّد، وهناك تطرف له غايات سيئة.
والسؤال الذي نطرحه ما هو التطرف.؟ أو كيف يُمكن تحديد مفهوم التطرف.؟ وهل كان مارتن لوثر مُحقاً في تفسيره لمفهوم التطرف.؟ فحقيقة التطرف لم تُعرف أو لم تُحدد بعد، وقد تسبّب التباس في تحديد مفهومها. ومن أبسط أشكال التطرف، هو إنكار حق مُطالبة أو إشراك المرأة في التصويت.. فقبل 50 سنة كان يُعتبر أمراً سيئاً.. كذلك عمل المرأة في الوظائف الإدارية، يعتبره الكثيرون سيئاً؛ والتطرف السيئ يُفرّخ الإرهاب الذي ينتشر حاليًا بينما التطرف الجيد ينتج عنه التغيير والتطوير المطلوبان لبقاء كل أمة.
إذنْ نقول إنّ تهديد الإرهاب مُعقد ولكن تعريفه واضح ولا علاقة للإسلام به لا مِن بعيد ولا مِن قريب.. وانتشار الإرهاب بأشكال مُتعددة أصبح ظاهرة عالمية خطيرة لما يشتمل من تنوع أيديولوجي ـ أفكار ومُعتقدات وسُلوك ـ لا يقتصر على دِيْن أو مُجتمع أو حالة فكرية.