متى نراعي المواطن؟

إبراهيم الهادي

عديدةٌ هي الشواهد التي تحفظها سجلات تَاريخنا منذ آلاف السنين قبل الميلاد، وعلى امتداد الحقب والعصور.. الإنسان العُماني هو حجر الأساس وقطب الرحى في كلِّ فعل تنموي حقيقي على أرض الواقع؛ لذا فإن توفير العيش الكريم له -سواءً كان عائلا لرعية، أو فردا منها- هو بمثابة سمت عُماني منقوشٍ على أعمدة راسخة طيلة هذا الزمان.

فالعيش الكريم للشخصية العُمانية حقٌّ أصيلٌ مكفول بعناية الله عزَّ وجل، لا يقبل مساومة أو إهمالا؛ فقد حَبَا الله سبحانه عمان بخيرات وفيرة في البر والبحر وباطن الأرض، حتى يستمر العيش الكريم على مر الأزمان بشكله الطبيعي، وهي أمانة تتطلب عملًا جادًّا، وإخلاصًا حقيقيا لتعزيز مصادر الدخل وإضفاء الرخاء؛ فلا بد إذن من إدارة نبيلة تغرس الوئام بين العدالة والعيش الكريم، وتضع لتعزيز دخل الفرد، وتخفيض الرسوم أولوية قصوى وهدفا أساسيا؛ ولن يتأتى ذلك إلا بإشراك المجتمع بمختلف أطيافه في الرؤى والأفكار والقرارات، خاصة تلك التي تطال المواطن محدود الدخل، مع الحد من فرض رسوم أو ضرائب عليه رغم التداعيات المالية في الدولة، فالمشهد اليوم كما بدا من خلال ما لمسناه، أن الكثيرين عبروا عن استيائهم من التأثيرات المالية على معيشتهم؛ فتراجع معدلات الدخل تدريجيا وزيادة الرسوم وأسعار الكهرباء والمياه، كل ذلك يزيد الأعباء على المواطن، ويرفع من احتمالية الاكتئاب، فالقرارات المفاجئة عبء كبير وغير مسبوق على كاهل المواطن.

وثمة موضوع لا يختلف عليه اثنان أن متوسط الدخل لدى الفرد اليوم لا يوفر دفع فواتير الكهرباء والمياه الحالية إلى جانب الالتزامات المعيشية اليومية؛ كونها مرتفعة أساسا وتستقطع جزءا كبيرا شهريا من الراتب؛ فكيف سيكون بعد رفع الدعم؟! أليس من حق المواطن الحصول على دعم حكومي على الكهرباء والمياه في إطار مفهوم الدولة الراعية؟ أليس من واجب الحكومة توفير الخدمات بأسعار معقولة للمواطن البسيط؟ لكن الواقع يقول إنه بدلا من طرح حلول لتنويع مصادر الطاقة وبيعها تجاريا بأسعار تنافسية للقطاع الخاص، وبأسعار مقبولة للمواطن للاستخدام المنزلي، فلا يجب أن يكون جيب المواطن البسيط هو المنقذ الوحيد لأي أزمة مالية.

وإذا كانت هناك إخفاقات ناتجة عن المشكلات الاقتصادية أيًّا كانت أسبابها وأبعادها، فلا يجب أن يحملُ المواطن تجاهها أيَّ مسؤولية، فجيب المواطن لا يجب أن يكون هو المستهدف دائما! وحلها يجب أن يكون في أروقة الجهات الحكومية؛ فلنقف إذن لحظة تفكير ونعيد ترتيب أوراقنا من جديد، ونراجع إمكانيات وقدرات المسؤول لكي يمضي وطننا نحو بر الأمان؛ فالمجاملات للمعارف وأصحاب المصالح لم يَعُد لها مكان أمام وضعنا اليوم، والمضحُّون بالمواطن من أجل أنفسهم وأسرهم يجب أن يكونوا خارج اللعبة، وأن يَحل محلهم من يضحُّون بأنفسهم من أجل الوطن والمواطن؛ فنحن في زمن يتطلبُ مِنَّا دقَّ ناقوس الجد والصدق والعمل، لا رفع أصوات المجاملات.

نحن نؤمن بأنَّ وطننا الآن يمرُّ بتحولات بعد الأزمة الاقتصادية، لكننا نؤمن في الوقت نفسه بأن الإصلاحات لا بد أن تستمر بآليات وطرق تحاول أن تتفادى التأثير على دخل المواطن البسيط.

أيضًا انتظَر المواطنون الكادحون منذ عشرات السنين استقرارا تقاعديا، لكن لا يزال النظام الجديد لم تُعلن تفاصيله، والجميع ينتظر التفاصيل كي يطمئن على مستقبله، ناهيك عن مشكلة الباحثين عن عمل الذين يبتغون خدمة الوطن، لتدبَّ معهم الحياة بشكلها الطبيعي مع ضمان العيش الكريم لهم وهذا حقهم، وعلى الدولة أن تعمل لتسهيل الطرق لهم، وتيسير فتح أبواب الأرزاق لهم.. وكلنا أمل في أن ذلك سيجد طريقه، لكن على الجهات المعنية -وعلى رأسها وزارة العمل- تسريع وتيرة الأداء في هذا المضمار، والتعجيل بوضع الحلول الكفيلة بتحقيق الأهداف المرجوة.