العمل حق لكل عُماني.. ولكن؟!

حمد بن سالم العلوي

إنَّ الأنظمة والتشريعات التي تُصدرها الدولة بين وقت وآخر، لم تعُد كافية لضمان حق العمل للعُماني في وطنه؛ فيجب أنْ يُرافق القوانين والأنظمة والرغبة الرسمية والوطنية في حل مشاكل التشغيل، آلية فعّالة وذكية ليس فقط في تهيئة البنية الملزمة من القرارات والتكليف، وإنَّما نحتاج إلى بيئة جاذبة ومحفزة؛ لذلك يجب أنْ يُرافق ذلك الحماية الحقيقية التي تمنع الأساليب الطاردة، والمنفرة للعامل العُماني من ترك وظيفته؛ فهذا المواطن الذي أصبح نَكِرة في وطنه في ظلِّ الطغيان الجائر لعدد الوافدين، والذين بلغ عددهم في التعداد الأخير مليونا وأكثر من سبعمائة ألف وافد، وهناك عُمانيون -للأسف- مُتواطئون معهم من أصحاب المصالح الخاصة والشخصية، وهذه مسألة لم تعد خافية على أحد، إلا من يتعمَّد أن يُغمض العين عن الحقيقة الساطعة.

فبالأمس، بدت لي رغبة أخذ جولة على وكالات السيارات، لعلَّني أجد وسيلة مناسبة أستبدل بها سيارتي القديمة، بعدما تفضَّل علينا مجلس الشورى، وأمدَّ لنا في العمر عشر سنوات فوق الستين، فصار لنا وجه نقابل فيه البنوك وشركات الاستثمار التي كانت تقف عند عُمر الستين فنقلتنا المهلة إلى السبعين، دخلتُ مجموعة من وكالات السيارات، وقد تلاحظ لي أن معظم الوكالات تستعين بالوافدين في معارض البيع، عدا القلة القليلة منها؛ حيث خلطت العُمانيين بالوافدين، وإنْ كانت الغلبة العددية للوافدين، فسألت بعض العُمانيين عن وضعهم في العمل؛ فكلهم أجمعوا على أن العمل يجري بالمخاتلة والمسايرة الشديدة، وإلا سيجرفهم الوافدون بحكم قوتهم، وبدعم من جحافل من الوافدين النافذين في الشركات، والذين يحتلون الوظائف العليا في الشركات.

خرجتُ من سوق السيارات أضرب أخماسًا بأسداس، فإنَّ الأمل الذي أنعشه قرار مجلس الشورى في نفوس المتقاعدين من أمثالي؛ وذلك بمنحنا مهلة منهم في الأجل لدى البشر وحسب، قد أفسده الغلاء وجشع التجار، ولكن استفدت من الجولة بين وكالات السيارات من الاستمتاع بالنظر إلى السيارات وأشكالها وألوانها، وكسبت معلومة من الحوارات التي أجريتها مع بعض الشباب من العُمانيين حول أوضاعهم الوظيفية. أما شراء السيارة، فقد خرجتُ منه بخفي حنين، وسأجدُ نفسي مُرغماً بعقد صلح طويل الأمد مع سيارتي ورفيقة دربي، وسنزيد عشر سنوات أخرى إلى عدد السنين الـ18 التي بلغتها إلى الآن، وذلك اقتداءً بقرار مجلس الشورى، وسنقيم معاً ما أقام جبل الفحل مقابل سيح المالح منتصباً وحيداً في عرض البحر؛ فهو في بحره وأنا وسيارتي على البر؛ فعسى بالفرقة الطيبة بيني وسيارتي، فرقة حياة لا فرقة ممات، على الأقل ما نكسر بخاطر مجلس الشورى.

إذن؛ لستُ أقترح حلًّا سحريًّا لتشغيل الإنسان العُماني، ولكن ما زلت أرى أن على الحكومة أن تدفع بعض المال في دعم التشغيل؛ لأنَّ فرض المعاشات الكبيرة على الشركات، لن يشجع الشركات المتوسطة والصغيرة للإقدام على تشغيل العُماني، وهي الأكثر انتشاراً في البلاد، وإن الشركات الكبرى ليست متحمسة للمساهمة في حل مشاكل التشغيل، ومن جانب آخر يجب إعادة النظر في موضوع إنشاء الجمعيات الأهلية، وذلك حتى تدور عجلة التنمية الإقتصادية في البلاد، وعندئذ بوسعنا أن نتكلم بحرية العرض والطلب، إذن يُعَدْ الدعم المالي والمعنوي من الضروريات لمرحلة تأسيس أمور التجارة والأعمال الحرة.

لا ينبغي لنا إجراء مقارنة بين وضع السلطنة والدول الأخرى، والتي سبقتنا بعشرات السنين في مجال التجارة الحرة، هذا إذا استثنينا من تلك المقارنة ولاية نزوى في العمل الحر للمواطن، فنزوى وهي الولاية العُمانية الوحيدة التي تمارس الأعمال الحرة بجدية؛ حيث لا يجد فيها الإنسان العُماني حرجاً في العمل التجاري في كافة المجالات؛ لأنها ظلت تحافظ على موروثها القديم ومستمرة فيه مع التطوير، فتستحق أن تكون نزوى مضربَ المثل، وأيضاً تستحق الدعم والتشجيع من الحكومة.

أمَّا بقية الولايات الأخرى، فيجد العُماني نفسه يعيش في غربة في كل شيء، فإنْ نظر حوله وجد نفسه محاطاً بالوافدين الذين لا يسمحون له بالتعلم منهم، أو محاولة تقليدهم في أية صنعة كانت.. إلا ما ندر، وهنا يفتقد إلى التشجيع والقدوة في العمل، ولكن إنْ وُجدت الجمعيات الأهلية، ووفرت مظلة الحماية شبه الحكومية، فإن العُماني سيعمل باطمئنان وثقة، ومن هذه الجمعيات الأهلية سينطلق بالمعرفة والثقة لبناء أعمال خاصة به، وهذه تجربة قامت بها شرطة عُمان السلطانية؛ من خلال دكاكين الرعاية الاجتماعية، فقد كانت دكاكين الرعاية وورش الشرطة المختلفة تمثل كليات متنوعة وغير مباشرة لتخريج أجيال من المهنيين والحرفيين العمانيين، حتى طالها نظام التغيير إلى الأسوأ للأسف الشديد، وسأظل أذكر تلك التجربة وأشيد بها.

إذن؛ لا بد من تدخُّل الحكومة من أجل تسريع العمل الحر، ومن ثمَّ الفطم بعدما يصبح الإنسان قادرا على الاعتناء بنفسه وأسرته، أما أن يترك المواطن يصارع هؤلاء الأقوام من الوافدين وبمفرده، فإن الوقت سيطول وستظل الحكومة مضطرة لحماية الناس، وتأكيلهم من صندوق الضمان الوظيفي، ومن صناديق الضمان الاجتماعي، وستطول مدة الرعاية الريعية لسنوات أكثر مما قدر لها، إن كان قد قدر لها زمن محدد، وسيظل المواطن -وبغير قصد- يمثل عقبة كأداء في طريق الرؤية المستقبلية 2040 بدلاً من أن يكون عونا لها وعامل نجاح، ولا شك أنَّ الاهتمام بالزراعة والسياحة والصيد البحري، وهي ساحات بِكر مفتوحة تمثل أبواب رزق وجذب للمواطن، ولكن كل أمر من هذه الأمور سيحتاج خططَ دعم حكومية، حتى تدور عجلة القطار وتستمر في الدوران، ومتى ما انطلق قطار التنمية الشاملة، فعندئذ لن يحتاج أحد إلى الدعم المباشر من الحكومة، وإنما هذه القطاعات الثلاثة ستدر الأموال الطائلة على خزينة الدولة.. بارك الله في عُمان وشعبها الأبيِّ، وحفظ الله سلطانها الأمين هيثم المعظم وأيده بالنصر المؤزر والسداد والتوفيق.