الانتظار وعام 2020

 

جيهان رافع

 

"الطريق تبدو طويلة عندما يقطعها الإنسان وحده". (صموئيل بيكيت)

"بعد أن تستسلم الوردة للشمس وتذوي، ترث الريح الغبار الذهبي وتقول الأرض عن أشلائها: هذه أغنيتي رُدَّت إليّ". (أدونيس)

 

من هذا العام الذي ما زال جاثمًا على قلب حياتنا والذي مرَّ كأنه قطار تملؤه الألغام والمُفاجآت والأسرار لكنني أخذت دروسًا منه لن أنساها وتعلّمت أن أهتم بما كنتُ أعتبره آخر اهتماماتي، رأيت به أكثر من طريقٍ للصبر والجلَد حتّى يمضي بسلامٍ ولا يقف أمام ما أريد، لقد علّمني كيف أنّ لكلّ شيء وقته وكيف أنَّ حسابات الحياة الصحيحة تنقلب لوهم عشته وأنا أخطط وأنتظر وأقول إنّ غدًا لناظره قريب لقد ابتعد بنا هذا العام إلى أكثر من أفقٍ وإلى أكثر من ظلمة نشأت فجأة بحياتنا وأفكارنا وأساليب حنكتنا التي كنَّا نظن أننا سنتغلب على صعاب الحياة بها، لقد فاق توقعاتي كلّ حدثٍ به فأصابني بخللٍ مستقبلي كما أصاب الكثيرين بنفس الخلل لكن على درجات مُتعددة لأسباب مختلفة.

قال فيكتور هيغو: "الألم ثمرة والله لا يضع ثماره على غصنٍ ضعيف".

وهذا العام أوضح لنا أننا أغصانٌ قوية على شجرة الحياة وآلامنا جعلتنا نرفض السير خلف الأشياء المضيئة لكن نتبع ما يجعلنا نضيء من داخلنا لنكون مصابيح لأيامنا القادمة ولأبنائنا أيضًا وحين يكتمل بنا طريق هذا العام المُثير للجدل سوف تبحث أقلامنا عمّا يجعلها تكتب بعيدًا عنه ثمَّ ستعود مجبرة إليه لأنه ببساطة لن يتركها تمضي من دونه فهو باقٍ بها بكل ما أوتي من قوّة وتملّق فكل كاتب تقريبًا إن كان كاتب مقال أو كاتب رواية أو غيره فهي الذاكرة التي ستفرغ حمولتها كي تُحافظ على سلامة حالة صاحبها النفسية من الضياع والغرق في أبحر الحزن واليأس سيبدو كما في قصة من قصصي التي كتبتها والتي سأضعها اليوم قبالة أعينكم وربما بين ذكرياتكم.

تبدأ الذاكرة بوضع الخطوط الأخيرة لزمن الحكاية..

سار على رؤوس أصابع محبرته كي لا يُوقظ الألم أكثر، اتّكأ على سريره وألقى برأسه على كتف القلم، علّه يخلّص بعض نومه من بعض أرقٍ أرهق صدره، وعاد للكتابة، لقد اغتال رحيلك روحي، كما اغتصب طفولة الحبّ، هل أصبحنا هكذا فعلاً؟!

تبّاً لذلك الطين أفسد الرحيق منذ وضعت على آخر قطرة مطرٍ باقة أقحوان، ففاحت رائحة لحد أحلامي، واختارت ذكراك شاهدة لها، كان يحتفظ بسيجاره الكوبيّ التي أهداه إياها أحد المغتربين، ليوم يشعر بفرط الشهوة لإفراغ ذاكرته على الورق، أراد إشعالها، لكنّه تردّد خوفاً من أن تكون المرّة الأخيرة التي يكتب فيها، هل الورق أحياناً يمتصّ ما لا نُريد التخلّي عنه، حتّى لو أرّق ذاكرتنا؟!

اختبأ بجيوب المساء وأنين بقايا ليله يصرخ باستجداء، ولن تعود.. لملم قطع الورق الممزق تحت قدم الغياب ووضعها داخل قميصه في الجهة اليسرى واستسلم للأرق من جديد.