القيادات الدينية إلى أين؟

 

جابر حسين العماني

Jaber.alomani14@gmail.com

لكلِّ مُجتمع قيادات دينية تحظى بالكثير من الاحترام والتقدير والإجلال والطاعة والعرفان؛ فهي تُمثل الدين الإسلامي الحنيف، والاستماع إليها يعني الاستماع والولاء للدين بمبادئه وقيمه؛ لذا فإنَّ وجودها بين أفراد المجتمع ضرورة ملحة؛ لأنها المرجعية الدينية الحكيمة والقوية التي يلجأ إليها الناس في أخذ تعاليم دينهم وأخلاقهم، وهي المحور الديني الذي يلتف حوله الجميع؛ لذا يتوجب على القيادات الدينية في المجتمع الإسلامي استثمار احترام وتقدير الناس لها.

 فيا تُرى كيف ينبغي أن تتعامل القيادات الدينية مع الناس في كل مجتمع؟

في البداية: إنَّ تعامل القيادات الدينية مع الناس بشكل مباشر ينبغي أن يكون مختلفا تماما عن بقية القيادات الأخرى في المجتمع؛ وذلك بأنْ يكون منطلقا من منهجية الرسول المؤيد والقائد المسدد محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وآله وسلم- وكذلك من آله وصحبه الكرام الذين ساروا على نفس المنهج النبوي المبارك.

والمتأمِّل في كتاب الله تعالى يرى بوضوح أنَّ الله سبحانه وتعالى رسم طريقا واضحا مستقيما جعله منهجا عظيما لنبيه الكريم محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وآله وسلم- في تعامله مع الذين اتبعوه من الناس، وكان ذلك المنهج مختلفا تماما عن بقية المناهج والتيارات الفكرية التي كانت تتحلى بها القيادات الأخرى في المجتمع، قال تعالى: "وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"، وقال: "وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ"، يعني: يا محمد؛ عليك أن تتعامل مع الناس بالمحبة والمودة والالفة والتعاون والتآزر والرأفة، لتستطيع الحفاظ على الهوية الاجتماعية الصالحة من شر العداوة والبغضاء والتمزق والشتات.

فما أجمله من منهج عظيم، وخارطة اخلاقية كريمة رسمها الباري -عز وجل- في كتابه العزيز لنبيه المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- بهدف توعية المجتمع ليكون من أفاضل المجتمعات على الأرض.

إنَّ التوجيه الرباني لحضرة النبي الأكرم -صلى الله عليه وآله وسلم- ينبغي اليوم استغلاله الاستغلال الأمثل والاستفادة منه، خصوصا من قبل القيادات الدينية والإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، في كيفية التعامل مع أبناء المجتمع، ولكن من المؤسف جدًّا عندما ترى بعض القيادات الدينية وهي تجعل من نفسها شخصيات صنمية متكبرة متغطرسة بفكرها المغلق؛ فهي لا تريد من أتباعها إلا العبادة والخضوع والاستكانة، وهذا ما لا يقبله الدين بل ينهى عنه نهيا قاطعا؛ فالمنهج الديني المستقيم مختلفا تماما، والقائد الديني يجب أن يكون ربانيا بامتياز، لا يحب التكبُّر والصنمية وحب الذات، بل يؤمن إيمانا قاطعا بالتواضع والمحبة والمودة والإلفة للجميع.

كان رسول التقارب والتعايش والمحبة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- ينهى الناس عن الغلو في شخصيته المباركة؛ فقد كان يقول: "أَيُّهَا النَّاسُ؛ لَا تَرْفَعُونِي فَوْقَ قِدْرِي، فَإِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي عَبْدًا قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَنِي نَبِيًّا"؛ وهو بذلك يرسم لنا شخصية القائد الديني الحقيقي المخلص الوفي الذي يجب أن تكون وجهته الدائمة في الحياة هي الطريق إلى الله تعالى وحده، خصوصا أمام أتباعه ومناصريه؛ فالقائد الديني الحقيقي يجب أن لا يمارس التكبُّر وحب الذات أمام أفراد المجتمع، بل يجب أن يكون لهم الطريق الواضح إلى الله تعالى، كما يجب عليه أن يؤمن إيمانا راسخا بأهمية المواساة بين أفراد المجتمع، وعدم التميز؛ بحيث يكون منهم وفيهم ولهم، لا يبحث عن الامتيازات والمناصب والشهرة الحياتية الضالة والزائفة التي تبعده عن الله وأتباعه من الناس، بل يجب أن يكون لهم المواسي والساتر والأخ والحبيب والصديق الذي يعيش حياته الاجتماعية خادما لهم فيها، فيكرمهم بتعاليم الدين والأخلاق، ويسعى جاهدا لتنظيم الحياة الاجتماعية ونقل المجتمع من ظلمات الوهم إلى نور العلم والفهم.

من المؤسف عندما تتوافر لدى بعض القيادات الدينية الاتباع؛ فيخدمونهم ويحترمونهم، فتراهم يتعاملون معهم معاملة الخدم؛ فلا يحترموهم ولا يراعوا مشاعرهم ومكانتهم الاجتماعية في المجتمع، وهذا ما نهى عنه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فإنَّ المتأمل في سيرته المباركة يرى تواضعه مع الناس، وكيف كان يسعى دائما لخدمتهم ومشاركتهم في كل شيء، حتى قال له بعض أصحابه: يا رسول الله؛ نحن نكفيك؟ فقال: "أُرِيد مشاركتكم فِي الْأَجْرِ".

هنا.. نعلم أنَّ القائد الديني هو العالم الفاضل الذي يكون قريبا من الناس، متخلقا بأخلاق الأنبياء، متسلحا بنور العلم والفهم والمعرفة، من يكون  شغله الشاغل نشر العلم النافع الذي اكتسبه لهداية الناس أينما كانوا؛ فالعالم الذي يحتفظ بعلمه ويبخل به على الناس حاله كحال الغني البخيل الذي يحتفظ بماله؛ فلا يستفيد منه في دنياه ولا يفيد به غيره؛ لذا ينبغي على العالم معرفة أين يضع علمه، فإن الزارع الحكيم هو من يضع الماء على الأرض الخصبة وليس الأرض الرملية أو المتحجرة كذلك هو العالم القائد لابد أن يضع علمه النافع في موضعه الصحيح والسليم ليكون بعلمه النافع منتجا في المجتمع.

قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام:

"لَوْ أَن حملة الْعلم حملوه بحقه لأَحبهم الله وملائكته وأَهل طاعته مِن خلقه، لكنهم حملوه لطلب الدنيا فمقتهم الله وهانوا على الناس".

الأكثر قراءة