إلى متى؟!

وليد بن سيف الزيدي

من المعلوم أنَّ التعليم في بعض الدول لا يزال يعتمد على تلقين المعرفة بشكل أساسي، وفي المقابل يتم إهمال المهارات إما بسبب الثقافة السائدة أو رفض فكرة التغيير من قبل البعض، رغم أنَّ عددًا من الدراسات أثبتت أن التعليم الذي يركز على المهارة أكثر نفعًا وثباتًا في ذهن المتعلم. وفي الوقت نفسه أصبحت المعرفة متوفرة وسهل الحصول عليها، وبأقل جهد وتكلفة، خصوصًا في ظل التطور التقني المتسارع.

وهنا لا أقلّل من شأن المعرفة، وإنما أرى من الأفضل أن تدعم من خلال المهارة، إذ لا يمكن فصل المعرفة عن المهارة فأصل الشيء معرفة. فمثلًا من الصعوبة إتقان مهارة التحدث باللغة الإنجليزية إذا لم تمتلك القواعد المعرفية لتلك اللغة.. ويمكنك أن تضرب أمثلة أخرى من واقع حياتك.

والمثل المعروف يقول: "لا تعطِني سمكة كل يوم، ولكن علمني كيف اصطادها". وهنا إشارة إلى أهمية امتلاك المهارة التي ستغنيك عن الاعتماد على الغير في كثير من الأحيان.

إذن، نحن بحاجة لإعادة النظر في بعض الجوانب التي تخص التعليم بما يحقق تعزيز المهارة عند المعلم والمتعلم، وهنا أطرح تساؤلًا: لماذا لا يقسم اليوم الدراسي إلى قسمين: القسم الأول من اليوم الدراسي يركز على تدريس الطلاب ثم يُصرفون إلى منازلهم. والقسم الثاني من اليوم نفسه يركز على البرنامج المهاري والذي بدوره يهتم بالجانب المعرفي وبنسبة 20% والنسبة الباقية 80% تركز على إكساب المعلم القدرات المهارية، وحيث يتمُّ التخطيط المسبق للبرنامج بشكل جيد ودقيق من حيث الأهداف والمدخلات والعمليات والمخرجات والاحتياجات والإمكانات، وبما يتفق في الزمان والمكان المناسبين، وبما يتفق مع مهارات القرن 21 ومبادئ الثورة الصناعية الرابعة والخامسة مستقبلًا، وبما يحقق ما خُطِّط له؟

أليس هذا الأمر سيحسن من التعليم ولو بشكل تدريجي؟

أليس هذا الأمر سيتيح للمعلم فرصة لتطوير قدراته ومهاراته وهو بدوره سيعكسها على طلابه مما يحقق الكفاءة في التعليم؟

أليس هذا الأمر سيفتح المجال للتنافس في تطوير المهارات والكشف عن المبدعين؛ مما يسهل اختيارهم والاعتماد عليهم في وضع الخطط المستقبلية للتعليم؟

أليس من الجيد لو يُعزز هذا البرنامج بترقيات مالية أو وظيفية أو تفريغ لإكمال الدراسات العليا ممن عُرف عنه الجدية والتميز من خلال هذا البرنامج؟

ألا يكفينا من الروتين اليومي الذي أخذ الكثير من وقتنا وجهدنا مقارنة بالإنتاجية، وفي الوقت الذي يوجد فيه عدد من الدول اليوم تعتمد في تقوية اقتصادها على الإبداع والابتكار الذي لا يأتي إلا من خلال التعليم أو ما يسمى "اقتصاد المعرفة"؟

ألا تتفقون معي كون الروتين اليومي قاتلًا بطريقة الغدر، فيمضي الكثير من عُمر الإنسان بدون أن يشعر وهو في دائرة الروتين ليكتشف أنه لم يضيف على فكره وشخصيته إلا القليل، مقارنة بالزمن الطويل الذي قضاه في دائرة الروتين؟

أليس الرُّوتين مثالًا جيدًا للجمود في التفكير الناقد والإبداعي وتطوير الذات وتعزيز المهارات والمعارف ومواكبة كل ما هو جديد حولنا في العالم الكبير بحجمه والصغير في سهولة التواصل معه؟ وهل الروتين المتكرِّر يعاني منه التعليم فقط، أم هناك جوانب أخرى على مستوى الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة تعاني كذلك من الروتين المتكرر؟

إذن، إلى متى سيبقى التعليم مركزًا على المعرفة، ومقللًا من قيمة المهارة؟

أليس من الحكمة البدء في التفكير بتطوير هذه النظرة نحو التعليم في وطننا الحبيب عُمان، من خلال الاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال؟

كم الكلفة والوقت والجهد الذي يحتاجه هذا الأمر؟ وفي المقابل ما النتائج المتوقعة من تطبيق هذا البرنامج؟

تعليق عبر الفيس بوك