العالم على طبق من صور!

 

أم كلثوم الفارسية

لن تنسى البشرية التحولات الكبيرة التي أحدثتها اكتشافات عظمى كاللغة والكتابة والمطبعة إلا أنها اليوم تشهد مد جارفاً من التحولات لا تقارن بأي تحول على مدى التاريخ!!! تحولات تمتلك التكنولوجيا فيها اليد الفاعلة في إحداث تعديلات جوهرية عل حياة البشر وعلى كافة الأصعدة...

فالعالم بلا شك قد أنغمر بكل ما أوتي من طاقات وقدرات في بحر التكنولوجيا صانعا ما يسمى  اليوم بـ"الثورة الصناعية الرابعة" التي وهي في طريقها لصناعة العالم الجديد قد صنعت الإنسان نفسه، وذلك بما أحدثته من خلخلة في أنماط الحياة والوجود، مستعينة في ذلك بعولمة الشبكات التي باتت تنقل لنا العالم على طبق من صور!!

نعم إنها صور إن وثقت بها لحظاتك فأنت على قيد الحياة، على قيد السعادة، وعلى قيد الحب إن أردت!!!

إنك لا تحتاج لكثير من الوقت والجهد لكي تدرك أنك وقعت فريسة سهلة لسحر الشاشة وشراك الصورة الافتراضية التي تعمل بكل وحشية على تغيير المعاني الكبرى لعالم الإنسان ليحدد الافتراضي معايير العالم الحقيقي الذي ينبغي علينا أن نعيشه!!!

فلو  أخذنا على سبيل المثال لا الحصر  التطبيقين الأشهر من بين تطبيقات التواصل الاجتماعي "سناب شات" و"إنستغرام"  اللذين يلعبان على وتر تجميل الصورة بفضل خاصية الفلاتر التي جعلتنا لا نرى الحياة مذهلة إلا من خلالها والتي هي في الحقيقة ليست سوى فقاعة افتراضية توهمك بأنَّ الإنسان من خلالها أكثر جمالا وأكثر نجاحا وأكثر سعادة ...بينما قد يكون عالمه الحقيقي عكس ذلك تمامًا!!نحن حرفياً فقدنا الموازنة بين ما هو حقيقي وما هو افتراضي.. فكما يقول الفيلسوف الألماني "أندريس":عندما يصبح الافتراضي حقيقيا يصبح الحقيقي افتراضيا!!

فعلى صعيد الروابط الاجتماعية نجد أن علاقتنا الاجتماعية أصبحت أكثر ميلاً للفردانية فالناس وحيدون ..غريبون في وسط زحمة البشر الذين يتساقطون عليهم كسيل عرم من كل إشارة اتصال بالإنترنت.

فالسحب الرقمية المثقلة بالصور والفيديوهات التي تبدو أكثر تسلية وكمالا بفضل خاصية الفلاتر رسمت صورة للحياة يغيب فيها المعنى والتوجه وتستفحل فيها مظاهر التشويش والحيرة ..فمحتوى منصات التواصل الاجتماعي يصنعه أناس عاديون ..يصبحون فجأة نجوماً ومؤثرين فهم يملكون الأدوات التي تجعلهم يضعون معايير النجاح والجمال والحب أيضاً ..هي فقط كما يبثونها من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي للجماهير من  خلال الصور المفلترة.. الأمر الذي خلق جنوناً لا حدود له في التقاط الصور الذاتية ونقل كل ما يمارسه الشخص في حياته لحظة بلحظة.. غافلا عن أنه يتوجب عليه أن يعيش اللحظة لا أن يصورها.

وختاماً نقول كما قال الفيلسوف الألماني أندريس: إنَّ مشكلات التكنولوجيا الكبرى أنها عملت على إلغاء المسافة بين الواقع والصورة بحيث لا تعود "للحدث" أي أهمية اجتماعية إلا بقدر ما يأخذ شكل إعادة إنتاج ..أي شكل صورة تصور تعمل بشكل مرعب على زعزعة  اليقينيات والقناعات والعادات وإنتاج أخرى مختلفة من حيث موضوعاتها وأشكال التعبير عنها.

وببساطة أيها الصديق انقل الصورة كما تريد لتقول للعالم إنك سعيد.. فالسعادة اليوم صورة ليس إلا!!

تعليق عبر الفيس بوك