الإنترنت والفساد الاجتماعي

 

جابر حسين العُماني

Jaber.alomani14@gmail.com

 

أعطى الله تعالى عباده الكثير من الوسائل التي من خلالها ينهلون العلوم والمعارف المُختلفة، فطبيعة الإنسان عندما يخرج من رحم أمه يخرج باكي العينين لا يعلم شيئاً عن حياته وكيف يتعامل معها، فتبدأ حواسه الخمس بالعمل شيئاً فشيئاً، فيصبح الإنسان قادرا على كسب الكثير من العلوم والمعارف المُختلفة..

 والمتأمل في نعم الحواس الخمس التي أعطاها الله سبحانه وتعالى لعباده يرى أنَّ أهم حاستين عظيمتين تساعدان الإنسان على تعلم شتى العلوم والمعارف المختلفة هما حاستا السمع والبصر، فالإنسان في عالم الحياة بحاجة ماسة إلى المرجعية التي من خلالها يستطيع تقييم المعلومات التي يكسبها مما يسمعه ويراه، ونقصد بالمرجعية هنا قوة الإدراك والفهم المُتمثلة بالعقل البشري ذلك الجهاز العظيم الذي ميَّز الله به الإنسان من بين المخلوقات..

 فالعقل البشري يُمثل القوة العظيمة والجبارة التي من خلالها يستطيع الإنسان أن يميز ما يسمعه ويراه في عالم الحياة، فكلما التجأ الإنسان إلى عقله كلما عرف كيف يتعامل مع ما يسمعه ويراه، أما إذا ابتعد الإنسان عن العقل وغفل عنه فإنِّه حتماً سيعرض نفسه ومن حوله إلى الكثير من الأخطاء والفساد والإفساد والضلال والتضليل.

لقد أكد القرآن الكريم على أهمية الرجوع إلى العقل والاستفادة منه في كل صغيرة وكبيرة، والمُتأمل لكتاب الله تعالى يرى أنَّ القرآن الكريم عندما تعرض للسمع والبصر ذكر العقل، قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ}، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ}..

والأفئدة في الآيات تعني: "العقول"

بالعلمِ والعقلِ لا بالمالِ والذهبِ**يزدادُ رفعُ الفتى قدرا بلا طلبِ

ونحن نعيش اليوم عصر العولمة وتبادل المعلومات المُختلفة التي لابد من التحقق من صحتها ومصادرها والتي جعلت من المعلومات الكثيرة مُتاحة ومتوفرة بشكل كبير، خصوصاً ونحن نتعايش مع شبكات التواصل الاجتماعية المختلفة: أمثال الفيسبوك وتويتر والواتساب والانستجرام وغيرها بشتى لغات العالم، مع وجود سيل جارف من القنوات الفضائية والصحف والمجلات العالمية مما جعل الإنسان حائرا بينه وبين نفسه وهو أمام معلومات تتدفق إليه من كل مكان وصوب، لذا فمن الواجب على الإنسان أن يجعل من عقله يقظاً متفكراً واعياً لا يستسلم لما يسمعه ويراه إلا بعد عرض كل ذلك على العقل والحكمة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.

إنَّ القرآن الكريم أكد كثيراً على أهمية الأفئدة (العقول) وذلك بعد السمع والأبصار، والهدف من ذلك توجيه الإنسان إلى التريث والتعقل وعدم الاستعجال في قبول الأفكار التي يتلقاها بسمعه ويراها ببصره، وإنما على الإنسان أن يرجع بها إلى العقل ليقيمها ويزنها جيدا ليعرف بعد ذلك ما يفيده ويضره في الحياة، وهذا ما أكده سيد الأنام الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما قال : (قِوَامُ الْمَرْءِ عَقْلُهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ).

وقال أمير المؤمنين ومولى الموحدين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام):

(أفضَلُ حَظِّ الرَّجُلِ عَقلُهُ، إن ذَلَّ أعَزَّهُ، وإن سَقَطَ رَفَعَهُ، وإن ضَلَّ أرشَدَهُ، وإن تَكَلَّمَ سَدَّدَهُ)..

إنَّ أهمية التأكد من صحة ما يسمع ويرى من خلال استغلال العقل يساعد الأسرة والمجتمع على تجنب الكوارث والتمزق والشتات، فاليوم هناك الكثير من المتربصين الذين يستخدمون تقنيات الإنترنت بهدف خلق الفتن والشائعات والنزاعات الأسرية والاجتماعية، وذلك من خلال نشر المعلومات والأخبار الفاسدة التي يراد منها إفساد المجتمع وأفراده، وذلك بإنشاء الكثير من الأسماء والحسابات والمواقع الوهمية والمستعارة والتي تسمى اليوم بالذباب الإلكتروني الذي يراد منه تضليل المجتمع ونقله من الخير إلى الشر، ومن الحق إلى الباطل..

  لذا لابد للأسرة والمجتمع من اليقظة والوعي وقوة الإدراك، فالوعي وقوة الإدراك حالهما كحال المبيد الحشري الفتاك الذي يمكن من خلاله القضاء على ذلك الذباب المسموم وإبعاده عن المجتمع وأفراده.

إن الإحصائيات العالمية تشير بوضوح تام إلى وجود ما يُقارب 1.73 مليار موقع إلكتروني، مع ارتفاع عدد المستخدمين للإنترنت بما يزيد من نصف عدد سكان العالم، كما صرَّح بذلك الموقع الإلكتروني للمنتدى الاقتصادي العالمي، فأصبح لزاماً على الجميع الحذر مما ينشر من معلومات عبر الشبكات العنكبوتية، فذلك واجب اجتماعي لحفظ أوطاننا ومجتمعاتنا وأسرنا مما يريده لنا أعداء الإنسانية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}..

أخيرًا على الجميع أن يعلم أنَّ الإنترنت سلاح ذو حدين؛ فكما هو نافع للجميع كذلك هو ضار للجميع، إذا لم يستخدمه الإنسان بالعقل والحكمة والتدبر والدراية في حياته الاجتماعية والأسرية.

الأكثر قراءة