أرجوك لا تكن منهم!

 

محمد بن علي اللواتي

 

تمرُ على بلداننا العربية الكثير من الأحداث والصعوبات والتحديات، على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهي جلية للصديق قبل العدو، من ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية، وانقسامات طائفية ومذهبية وعرقية، وحروب أهلية وغيرها، مما شكَّل لدى المُواطن العربي ضيق الأفق، والنظرة السوداوية في التَّعاطي مع قضايا وطنه وأمته، وأصبح ينظر إليها بمنظور التشاؤم المثبط للهمم، والحزن على ما آلت  إليه الأحوال، وضاقت عليه الأرض بما رحبت.

في هذا المقال لن أدعي المثالية، ولكن سأذكر عدة أدلة تعتمد على العقل والنقل؛ لشحذ الهمم، ولكي لا نكون رهائن الأفكار السلبية، ولمن يحاولون إحداث شرخ بين شباب الأمة في الوطن العربي عن قصد أو دونه، ولا أنكر كل ما نمر به من ظروف استثنائية، ولكن التمادي في النقد لن يُوصلنا إلى ما نصبوا إليه، وأن نشعل شمعة خير لنا من أن نلعن الظلام، ومن المهم أن نزرع الأمل في نفوسنا وبمجتمعاتنا، وأن نرى  نصف الكوب المليء بدل البكاء على نصف الكوب المسكوب!، يقول الشاعر الصوفي شمس التبريزي: "مهما حدث في حياتك، ومهما بدت الأشياء مُزعجة، فلا تدخل ربوع اليأس. وحتى لو ظلت جميع الأبواب موصدة فإنَّ الله سيفتح درباً جديداً لك. احمد ربك! من السهل عليك أن تحمد الله عندما يكون كل شيء على ما يُرام. فالصوفي لا يحمد الله على ما منحه الله إياه فحسب! بل يحمده أيضاً على كل ما حرمه منه".

تُشير الدراسات الحديثة إلى أنَّ وجود الأشخاص الذين لا يجيدون إلا بث التشاؤم والإحباط بين المُحيطين بهم يكون وقعه مضاعفاً على المتلقي، وقد يُؤدي في نهاية الأمر إلى الأمراض المستعصية جسدياً، ناهيك عن النفسية والعقلية، وكما قيل في الأمثال العربية قديماً: "رمتني بدائها وانسلت"، فمن المهم أن نهتم بمن نُصاحب، وأن نفر من المُتشائمين فرارنا من الأسد! يقول الفيلسوف اليوناني سقراط: "الذين فشلوا في إنجاز شيء في حياتهم، يحاولون دائماً إحباط الآخرين".

قد يقول بعضهم ليس بمقدورنا أن نُغير الواقع، فليست السلطة ومواقع اتخاذ القرار في متناول أيدينا، كما أن الفاسدين كُثر، ويجب مُعاقبتهم ومحاسبتهم، وأقول: بل نملك ما هو أقوى من ذلك! الأسرة الواحدة هي نواة المُجتمع، وكل شخص منِّا لديه تلك الأسرة التي يمكن من خلالها أن يزرع القيم السامية، والتي يحلم أن يراها في وطنه؛ لكي يتحول هؤلاء إلى سفراء، ويتم نشرها لتغيير المجتمع إلى الأفضل، قد لا نُشاهد هذا التغيير في حياتنا، ولكننا نكون من المُؤسسين له، وكما يقول الرئيس الأمريكي جون كينيدي: "لا تسأل ماذا قدَّم لك وطنك، بل أسأل ماذا قدمت أنت لوطنك؟!".

وهنا لن أضرب المثل بكوريا الجنوبية التي خاضت حرباً مريرة، وانقسمت إلى جزأين، واليوم لها شأن عظيم بين دول العالم، ولن أتحدث كذلك عن سنغافورة التي بكى رئيس وزرائها عند الاستقلال، ولم يكونوا يملكون المُقومات الكافية لقيام دولة حديثة، ناهيك عن الثروات الطبيعية، ولكنني سأتحدث عن دولة أفريقية أنهكتها  الحرب الأهلية، وراح ضحية هذا الاقتتال العرقي ما يُقارب 800 ألف شخص قبل أقل من 30 سنة.

جمهورية رواندا في القارة الإفريقية وتعني أرض الألف تل، عادت إلى وضعها الطبيعي بعدما حل بها السلام بعد سنوات عجاف مرَّت كأنها الدهر، وقتل فيها الأبرياء، تعتبر اليوم نموذجاً يحتذى به في الدول النامية، واستطاعت أن تُحقق الاستقرار والنمو الاقتصادي لكي تزيد من متوسط دخل سكانها إلى ثلاثة أضعاف خلال السنوات العشر الأخيرة، حتى وصل بها الأمر أن تكون من أكثر الحكومات نزاهة وكفاءة في القارة السمراء.

يقول النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم): "إنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإن اسْتَطَاعَ أَنْ لا تَقُومَ حَتى يَغْرِسَهَا فَلْيَغرِسَها"، لو لم نكن نملك غير هذا الحديث الشريف لكفى أن نعمل به في كل يوم، وأن نزرع الخير والتفاؤل في مُحيطنا، فالحبيب المصطفى يدعونا لعدم اليأس، وأن نكون مُتفائلين في أحلك الأوقات، وأن نعمل للغد بنظرة مشرقة وعدم الركون إلى العجز والكسل، والعمل على قدر المستطاع لتحويل حياتنا ومن حولنا إلى الأفضل.

علينا أن نسعى بكل ما أوتينا من قوة في بث الطمأنينة والتفاؤل بمجتمعاتنا، وأن نُحقق المقولة التي تقول: "لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس"، وأن نُجاهد من أجل رفعة أوطاننا، وأن نقدم من أجله النفس والنفيس لنا وللأجيال التي ستسكن من بعدنا، وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي:

قف دون رأيك في الحياة مُجاهدا // إنَّ الحياة عقيدة وجهاد

وخير ما أختم به مقالي هذا الآية المُباركة: "وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " التوبة 105.