مجلس الشورى.. واستضافته وزيري المالية والاقتصاد

د. عبدالله باحجاج

بدأ يوم الأحد مجلس الشورى جلسة جديدة من جلساته الاعتيادية، ولا يخفى على كل الأعضاء مدى الرهانات الاجتماعية على أدوارهم خلال هذه الجلسات، فهي تتزامن مع حديث الساعة، حديث الدولة والمُجتمع، وهي خطة التوازن المالي "2020- 2024" لذلك، فكل مناقشاتهم ينبغي أن تنطلق من الهواجس الاجتماعية تجاه هذه الخطة، رغم أنَّه لم يأتِ ذكرها- أي الخطة المالية- خلال جلسة الأمس، ولا اجتماع اللجنة الاقتصادية يوم الثلاثاء الماضي، وكل ما نشر عنهما، تناول مشروع الميزانية العامة للدولة للعام 2021، ومشروع خطة التنمية الخمسية العاشرة "2021- 2025" المحالين من وزارة المالية.

ويوم الإثنين، يستضيف مجلس الشورى وزيري المالية والاقتصاد الوطني، وهنا يترقب المجتمع بشغف موقف ممثلي المجتمع من خطة التوازن الاجتماعي متوسطة الأجل، فأي نقاشات فيما بين الأعضاء أو مع الوزيرين، ينبغي أن يكون منطلقها من هواجس المجتمع لخطة التوازن المالي، فلا يُمكن مناقشة الميزانية الجديدة ولا خطة التنمية الجديدة بمعزل عن خطة التوازن المالي، فهي المرجعية للميزانية وللخطة على المدى المتوسط، وبالتالي لابد أن تكون هذه المرجعية هي الأولى بالنقاش مع الوزيرين.

فلا حديث آني لخطة التنمية الخمسية العاشرة في ظل خطة التوازن المالي متوسطة الأجل، فالتركيز ينصب الآن على هذه الخطة حصريا، لأننا سنشهد من خلالها نقلة تاريخية كبرى وغير مسبوقة في دور الدولة والانتقال من دور الرفاه إلى دولة الجبايات. فطوال سنوات الخطة الأربع، سيعرف المجتمع ثلاثة أنواع من الضرائب، ضريبة القيمة المضافة، وضريبة الدخل، والضريبة الانتقائية، إلى جانب ومنظومة رسوم متكاملة، إضافة إلى رفع الدعم عن الوقود والماء والكهرباء.. إلخ.

فما مدى حجم الآلام الاجتماعية الناجمة عن هذه النقلة النوعية غير المسبوقة؟ وإلى أي مدى سيتحملها المجتمع طوال أربع سنوات؟ بعضها متتالية والقلة منها ليس بينها تباعد زمني كبير، وإنما يمكن القول إنها متتالية. من هنا، تتاح لأعضاء مجلس الشورى الآن فرص مواتية للتعبير عن هواجس المجتمع، ونقل مخاوفهم على أوضاعهم المعيشية وأحلامهم المشروعة من خلال استضافتهم الوزيرين المعنيين بأهم ملفين خلال مرحلتنا الوطنية المقبلة، فوزير المالية معني بالشؤون المالية، ووزير الاقتصاد مهتم بالتنمية الشاملة بما فيها الاجتماعية، وهناك مجموعة تساؤلات ينبغي أن تطرح على الوزيرين، أبرزها: ما مدى تنسيق الوزارتين في وضع خطة التوازن المالي؟ وهل تعتقد الوزارتان أنَّ الطبقة الضعيفة فقط هي التي ستتأثر أم كل الطبقات بما فيها الوسطى والميسورة؟ ومهما يكن، هل هناك خطة للتوازن الاجتماعي على غرار خطة التوازن المالي أم التركيز ينصب على البعد المالي دون الاعتداد بالأبعاد الاجتماعية والجيوسياسية والجيواستراتيجية؟ ومن المسؤول عن هذه الأبعاد الأخيرة إذا كانت وزارتا المالية والاقتصاد الوطني غير مسؤولتين؟ ولماذا لا يكون حماسنا الكبير بالتوازن المالي الذي ينتجه منظومة الضرائب والرسوم ورفع الدعم بنفس الحماس الذي يفترض إبداؤه للقطاعات الإنتاجية؟ فهناك قطاعات إنتاجية، يمكن رفع نسبة مساهمتها في الناتج المحلي خلال المدى القصير والمتوسط أي فترة سنوات الخطة المالية؟ وماذا عن ثرواتنا النفطية والغازية الجديدة الواعدة لماذا لم تخفف من وطأة لجوئنا للضرائب؟

ثمة تساؤلات كبرى، لو سردناها لن ننهي هذا المقال، بما فيها فتح لملفات منطقة الدقم وموانئنا ومناطقنا الحرة والاقتصادية والصناعية والتعدين.... إلخ. وكما قلنا هذه فرصة لمساءلة وطنية بموجب النظام الأساسي للدولة. لذلك؛ فالعمل عمل مؤسساتي، وهو الآن متاح لأعضاء مجلس الشورى، واستضافة الوزيرين يدخل من ضمن الرقابة التي هي مهمة أصيلة وغالبة لمجلس الشورى كمؤسسة دستورية شريكة للحكومة في تحقيق المصلحة العامة للبلاد، خاصة وأن الخطة المالية تم صياغتها من منظور مالي مع الأخذ في الاعتبار تأثيرها على الطبقة الضعيفة فقط، فماذا عن الطبقتين الأخريين؛ وهما الطبقة الوسطى والطبقة الميسورة؟

ومن المؤمل أن يخرج من جلسة مناقشة الوزيرين خبر يفيد بأن مجلس الشورى قرر دراسة خطة التوازن المالي، وأنه سيقدم للحكومة خارطة بانعكاساتها المحتملة على الطبقات الثلاث، وفيها حلول داعمة أو بديلة، مع التأكيد أن الكل يقف مع مبدأ التوازن المالي، ومع استهدافاته الوطنية كحل قضيتي المديونية وخفض العجز.. إلخ لكن كيف يمكن تحقيقه؟ هل من خلال الطريق السهل، وهو الضرائب ورفع الدعم أم التوازن والتزامن بين البعدين المالي والاقتصادي؟

جُل هاجسنا هنا، الانعكاسات الاجتماعية للخطة المالية، لأنها لن تنحصر على الطبقة الضعيفة مالياً فقط وإنما لها تداعيات ممتدة للطبقتين الآخريين؟ والسكوت أو عدم فتح هذا النقاش، يفسر أن بقية المواطنين على مقدرة مالية لتحمل التبعات، وفي بعض نقاشاتنا واستماعنا لخبرائنا وبعض أقلامنا، لاحظنا سوء تقديرهم لمجمل الأوضاع الاجتماعية؛ حيث يركزون فقط على الطبقة الضعيفة.

ولو خرجت رسالة من المجلس أو اللجنة الاقتصادية للرأي العام تفيد بدراسة آثار الخطة المالية على المجتمع، وإمكانية تقديم بدائل للحكومة، فهذا سيبعث الأمل في السيكولوجيات الاجتماعية، وسيخفف من حدة القلق من المستقبل بسبب الضرائب والرسوم ورفع الدعم، لأنَّ الكرة ستكون في ملعب المؤسسات الدستورية وليس في ملعب الحكومة فقط، فمتى سنصل إلى هذا النوع من العمل المؤسساتي في بلادنا؟ والانتقال إليه، يدخل في صلب العهد الجديد، لأنه يحصن مراحل مسيرتنا الوطنية؛ حيث سيكون مشهدنا الوطني كالآتي: مؤسسات تفكر، وأخرى تخطط، وثالثة تنفذ، ورابعة تراقب وتعمل على تفادي سلبيات التخطيط أو التنفيذ.

وهذا ما ندعو إليه في كل مقالاتنا، تدعيمًا وتحصينا للنتائج النهائية لخطة التوازن المالي، عبر إعمال الفكر لاستشراف طبيعة الأوضاع الاجتماعية بعد أربع سنوات إذا ما طبقت الخطة المالية كما هي دون الأخذ بعين الاعتبار انعكاساتها على معيشة المجتمع، وعلى أحلامه وآمال أجياله، ولدى مجلس الشورى الكثير من الحجج السياسية والدستورية التي تمكِّنه من ممارسة شراكته الفعلية مع الحكومة، لن نتحدث عن الدستورية، فقد أشرنا إليها سابقا، وهي معلومة بذاتها، أما السياسية، فنجدها صريحة في توجيهات عاهل البلاد -حفظه الله- أثناء ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء الأخير، فقد دعا المسؤولين إلى الاستماع إلى كافة آراء المواطنين، ومجلس الشورى ممثل لهم.

هذه التوجيهات تصنع حقوقا وتفرض واجبات.. فبالنسبة للحكومة، يتعين عليها الاستماع لكافة الآراء، والعمل على الاقتراب من المواطنين حتى لا تضع نفسها فوق المجتمع، وتهيمن عليه، وتستفرد بالقرارات التي تمس معيشة المواطنين وأحلامهم.. أما بالنسبة لمجلس الشورى، فهو هنا يمثل المواطنين، ولديه الآن تخويل سياسي إضافي بالممارسة النيابية عن المجتمع في مرحلة خطة التوازن الاجتماعي، وهواجسها الاجتماعية، فعليه أن يفتح الآفاق للحكومة بمآلات هذه الخطة، وأن يُساهم في وضع البدائل الآمنة والمقبولة.

لذلك، ندعو مجلس الشورى إلى تشكيل لجنة متخصصة من كافة الحقول السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية وبفروعها المتخصصة.. لدراسة إنعكاسات الخطة المالية على المجتمع، ومن ثمَّ تقديم البدائل الممكنة، على أن تكثف اللجنة الاقتصادية من اجتماعاتها لمتابعة هذا الملف، مع تفعيل أدوات الرقابة الثمانية.. وفتح قنوات موازية إذا كانت هناك حاجة ملحة لتصحيح المسارات وتقديم البدائل، لأننا بالخطة المالية نؤسس أرضية لانطلاقة رؤية "عمان 2040"، ولا بُد أن يكون هذا التأسيس بعقلية تشاركية جماعية حتى نؤسس الأرضية على قاعدة قابلة للاستدامة، وتتحمل قوة الانطلاقة.

وهذه التشاركية قد حثَّ عليها، مجدد النهضة العمانية- حفظه الله- في خطاب عيد اليوبيل الذهبي، وذلك عندما قال إنَّ نجاح رؤية "عمان 2040" مسؤولية الجميع من أبناء الوطن دون استثناء كل في موقعه، وفي حدود إمكانياته ومسؤولياته، وبالتالي، فإنَّ هذه المهمة تدخل في صلب اختصاصات ممثلي المجتمع. ولو تتبعنا مضامين خطب عاهل البلاد منذ الحادي عشر من يناير وحتى خطاب اليوبيل الذهبي، سنجد أنها تعلي من شأن دور الرقابة لمجلس الشورى لنجاح الرؤية بما فيها من توجهات إستراتيجية مجمع عليها.

وخطاب اليوبيل الذهبي، كان مزدحمًا بالملفات التي يتطلع إلى تحقيقها كل المواطنين، ويستوجب على ممثليه أن يفعلوا لجانهم للمشاركة في بلورتها، لعل أبرزها، استكمال إقامة دولة المؤسسات والقانون، والتحول نحو الإدارة المحلية اللامركزية، وتفعيل المحاسبة والمساءلة، ومراجعة التشريعات والقوانين.. ولو تأملنا في هذه الملفات سنلاحظ أنها تشكل جوهر النهضة المتجددة لعهد جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله-، ولا يمكن أن ننطلق للمستقبل دون تلكم الضمانات، ولا يمكن تجسيدها من منظور كل المصالح في البلاد دون مُشاركة الشعب، ومجلس الشورى الممثل الدستوري له.

فهل يجد أعضاء مجلس الشورى أنفسهم الآن في حاجة لتعزيز صلاحيات المجلس وتحرير الأدوات البرلمانية من القيود التنظيمية؟

إن هذه المطالب المهمة، لا تبرر عدم التفاعل مع الأحداث الآنية، ولا تعطيل الأداء الموازي للصلاحيات الدستورية؛ إذ نُؤمن بحيوية الفعل المجرد، ونؤمن كثيراً بالأداء الموازي، ومرحلتنا الوطنية تحتاج لهما الآن، فالمرحلة غير مسبوقة بأفكارها وآلياتها وإجراءاتها، وكل لجان المجلس ينبغي أن تنطلق في جلسات عصف ذهني متواصلة لإثراء مرحلتنا الوطنية بالبدائل المقبولة.