مضامين الخطاب السامي

 

حميد بن مسلم السعيدي

يمثل الخطاب السامي الذي تفضل وألقاه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وثيقة وطنية لاستكمال بناء النهضة العمانية الحديثة التي جاءت لتتوافق مع مستجدات العالم المتغيرة، وما يحدث فيه من أحداث قد تُؤثر على الأوضاع الداخلية لعُمان..

فقد جاء الخطاب في ظروف تمثل مرحلة انتقالية في العالم، تتطلب العمل الوطني من أجل الاستفادة من الموارد الوطنية البشرية والطبيعية من أجل إيجاد دخل وطني يساهم في النمو الاقتصادي للدولة، ويقوي أمنها الاستراتيجي المعتمد على الموارد الاقتصادية والبشرية.

فالثامن عشر من نوفمبر المجيد ليس عيداً وطنياً فحسب وإنما تاريخ أمة وبناء إنسان، فهو يوم خُلد في التاريخ العماني لأنه تجسيد لانطلاقة النهضة العمانية الحديثة والتي كانت الذكرى الخمسين لهذا اليوم تظل عيداً وطنياً من أجل الاحتفاء بالإنجازات، فهو استمرار لنهج الحضارة العمانية الضاربة في عمق التاريخ البشري، والتي تمكنت من بناء دولة لها جذورها العميقة في التاريخ البشري بما حققته من إنجازات متعددة في مختلفة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية، هذا التاريخ لا يمكن أن يُغفل في الذكرى الخمسين لهذه النهضة العمانية لذا كان الخطاب السامي منطلقاً في الحديث عنه، وهو تأطير عماني أصيل يسند إلى إرث حضاري في بناء الدولة الحديثة.

فجاء الخطاب السامي في الثامن عشر من نوفمبر بعد ثمانية أشهر من خطاب 23 فبراير 2020، ما بينهما كانت هناك مرحلة البناء والتغيير والتي تعد قصيرة جداً ولكنها كانت تحقيقاً للمسار الاستراتيجي الذي رسمه جلالة السلطان في بناء النهضة المتجددة، فقد تحقق معظم ما تضمنه ذلك الخطاب، مما ينم عن الرغبة الوطنية الفاعلة في التغيير والتطوير في كيان الدولة بما يتوافق مع متطلبات العصر الحديث، وقد جاءت نصاً في الخطاب السامي وتأكيدا من جلالته على تحقيق ما أراده من تغييرات في مجلس الوزراء، والهيكل الإداري للدولة، وتطوير قطاع الشركات الحكومية، بما يساعد في زيادة مساهمتها في الدخل الوطني، كما تضمن الخطاب العديد من الرؤى والمضامين المستقبلية، مما يعطي دلالة على أننا مقبلين على مرحلة وطنية تتطلب الجد والعمل والمثابرة الوطنية، ونعرض هذه المضامين وفقا للآتي:

أولاً: أكد على الحفاظ على المصالح الوطنية العليا للدولة كثوابت أساسية منبثة من المبادئ والقيم العمانية العريقة في تحقيق أهداف رؤية عمان 2040، مما يؤكد على المضي قدماً في تحقيق أهداف الرؤية العمانية، وفقاً للخطط الاستراتيجية الهادفة مما يحقق النمو الاقتصادي ويقلل الاعتماد على النفط كمورد أساسي للدخل الوطني.

ثانياً: تعزيز الأداء الحكومي في مختلف القطاعات الاقتصادية والتنموية والخدمية والعمل على رفع الكفاءة من خلال رؤية جديدة تتمثل في مراجعة وتطوير الجوانب التشريعية والرقابية وتطوير أدوات المساءلة والمحاسبة، وهو نظرة هادفة نحو تجويد العمل الإنتاجي مع وجود قوانين تنظم هذا المنتج وتعمل على مساءلة كل من يعمل في هذا القطاعات بما يؤطر جودة العمل وتخلق التنافسية بين كافة القطاعات.

ثالثاً: ترسيخ العدالة والنزاهة الوطنية بما يساعد على صون حقوق الوطن والمواطنين من أجل بناء مستقبل واعد لعُمان، وهذا البعد يمثل النقطة الأساسية في تحقيق العمل الوطني وفقًا لمجموعة من التشريعات التي تحمي الحقوق والواجبات.

رابعاً: إرساء بنية إدارية لامركزية في إدارة المحافظات في السلطنة، وهو تطور في النظام الإداري للدولة ويحقق التنافسية بين المُحافظات في تطوير قطاعات البنية التحتية والاستفادة من الموارد المالية والبشرية في تحقيق مشاريع تنموية هادفة، مما يؤطر الدور المحلي للمجتمع في مشاركته في التنمية.

خامساً: يمثل نظام الحماية الاجتماعية والذي يتشارك فيه الحكومة والمواطن، ركيزة أساسية في الدولة الحديثة والقائمة على التشاركية الهادفة بهدف ضمان الحياة الكريمة لجميع أبناء هذا الوطن، خاصة ونحن نمر بمرحلة انتقالية في الحياة البشرية ولا يمكن التنبؤ بأحداثها، لذا جاء هذا النظام من أجل أن يصبح مظلة وطنية شاملة.

هذه المضامين الخمسة تمثل تطورا في منظومة العمل الوطني في الدولة، وتساعد على أحداث حراك وطني مقنن من خلال ما حدث من تطوير في المنظومة الإدارية للدولة وما يتبعه من تطوير في المنظومة التشريعية والقانونية ليقدم رؤية تكاملية بين العمل الوطني والقانون المساند له في تحقيق الأهداف الوطنية العليا بعيداً عن أي تأثيرات سلبية قد تطال هذه المرحلة من عمل وطني بهدف تحقيق النمو الاقتصادي وتطوير كافة القطاعات الخدمية والإنتاجية في السلطنة، فهذه المضامين التي تضمنها الخطاب السامي جاءت مقرونة بالمتابعة المباشرة من جلالته حيث أكد في خطابة على متابعته المستمرة لكافة القطاعات وخاصة القطاعات الصحية والاجتماعية والاقتصادية وقطاع التعليم الذي أكد على أهميته في التطوير المستقبلي وتمكينه لكافة أبناء الوطن العزيز.

وتضمن الخطاب الدور الوطني الذي قام به أبناء عمان الأوفياء من خلال التجاوب مع الإجراءات الحكومية في ظل الظروف المالية والاقتصادية التي تمر بها السلطنة وهو أمر ليس غريباً على أبناء هذا الوطن الذي عاهدوا الله والوطن والسلطان بالتضحية بأرواحهم ومالهم من أجل أن تظل عُمان شامخة وراسخة الكيان مستمدة قوتها من المواطنين المخلصين والأوفياء والذين لن يدخروا جهداً من أجل رفعة وعلو مكانة هذا الوطن.