كل حزب ونحن بخير

 

غسان الشهابي

بعد الكثير من المُماحكات والأمنيات لدى مؤيدي الرئيس الأمريكي (المُنتهية ولايته) دونالد ترامب، وأملاً بأن تقول المحكمة العُليا كلمتها الأخيرة في إبطال الأصوات التي نالها جو بايدن والتي مكنته من الفوز في هذه الانتخابات؛ عادت النبرة الأولى "للجمهوريين العرب" لتقول: إن الديمقراطيين سيُعيدون "الربيع العربي" من جديد، وأنهم وراء كل الخراب الذي حلَّ بالبلدان العربية، التي تزعزعت منها، والتي قاومت الزلزال العربي، والذي لا تزال تُعاني منه هذه الدول، وأن الديمقراطيين أيام باراك أوباما، لا بارك الله فيه (حسب قولهم) قد مكّن إيران من الدخول إلى الدول العربية والتحكم فيها، وتكاد تحكم الطوق على الجزيرة العربية بتغلغلها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، هل عرفتم الآن أيها "الديمقراطيون العرب" لماذا فضلنا فوز أصحاب الفيل على راكبي الحمار؟

من حيث النظرية فهذا الكلام صحيح لمُتتبع السطحي، ولكنه ليس صحيحاً لمن يعيش في بلدان هذه الأمة، فليست هناك قوة في العالم يمكنها أن تحرك جماهير لا تُريد أن تتحرك، وليس هناك من يمكن أن يقنع المتنعمين بالخيرات، المتمرغين في الحريات والديمقراطية الحقة، من البيت، إلى الشارع، إلى المدرسة، إلى المؤسسة، إلى البلدية، إلى التشريع، إلى الرئاسة، ولا يمكن أن تخرج الشعوب على أوضاع عادلة يحصل فيها الجميع على حقوقهم كاملة غير منقوصة، ومن الصعب التصديق أن أناساً يشعرون أن كرامتهم وافرة، وأعراضهم مُصانة، وأموالهم محفوظة، وأنفسهم محمية، يتزحزحون من كراسيهم الوثيرة ليخرجوا إلى الشوارع ويعرضوا أنفسهم إلى كل هذا العسف، والذي يستمر في عدد من البلدان... فقط لأن حاكم البيت الأبيض "ديمقراطي".

نعم، يُمكن للأموال أن تغري العشرات، ويمكن لغسيل الدماغ أن يُقنع المئات، بالثورة والفوضى والتغيير والعنف، ولكن ما شأن مئات الآلاف (في بعض البلدان) الذين رأيناهم في الشوارع تحت جميع الأنواء، ويتعرضون لكل ما يمسّ أمنهم وسلامتهم، بل وأرواحهم، ولا يغادرون مواقعهم؟! أي مال هذا الذي يبيعون من أجله الأرواح؟ وكم بإمكان أي إدارة أن تموّل وتجنّد وتحشّد لتصل إلى هذه النتيجة؟!

ولكيلا نُغادر هذه النقطة من دون الانتهاء منها، أليست كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية أيام جورج بوش الابن، صاحبة نظرية "الفوضى الخلاقة"؟ فكيف يمكن لنظرية يتبناها حزب، يقوم الحزب المُنافس بتطبيقها؟! وقبل أن نغادر النقطة ذاتها، ما قولكم في ما حدث في السودان، والحراك الذي عمّ لبنان، وماحدث وما يحدث الآن في العراق؟ هل هذا صنيعة الديمقراطيين أيضاً؟

أيُّها الأعزاء، إنه لمن شديد الأسف أنَّ الأرض العربية خصبة جداً لأن تحبل بالثورات في حدودها العُليا، وبالتململات في حدودها الدنيا، بصرف النظر عمَّن يأتي ويذهب في الشمال الأمريكي. فعلى الأنظمة التي تريد الأمن والاستقرار أن تنصت لنبض الشعب لا أن تتنصت عليه، وتبدأ بالحلول الجذرية وليست البوليسية، لأنَّ الأولى أكثر دواماً وأقل كلفة من بناء المزيد من السجون، وجلب المعدات العسكرية الحديثة لقمع المتظاهرين، وبعدها، فليأت إلى البيت الأبيض من يأتي.