الغريزة

جابر حسين العماني

Jaber.alomani14@gmail.com

خَلَق الله سبحانه وتعالى الإنسان من صنفين في عالم الحياة؛ إذ قال تعالى: "خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى"؛ وجعل كل واحد منهما يميل إلى الآخر، وهو ما يعبر عنه علميًّا بالغريزة الجنسية التي من خلالها شاء الله تعالى أن يجعل استمرار النوع البشري في الحياة؛ وذلك عبر التلاقح بين الذكر والأنثى.

وقد أعطى الله الإنسان العديد من الغرائز البشرية التي يستطيع ممارستها في عالمه الاجتماعي، ومن تلك الغرائز وأهمها وأخطرها على الإطلاق الغريزة الجنسية، وهي التي تظهر للإنسان بشكل تدريجي في سن التاسعة للبنت وللابن حسب علامات البلوغ، فيلاحظ الإنسان تحركها في جسده، وهو ما يعرف بسن التكليف الذي ينتقل فيه الإنسان من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب، وهو ما يعرف بالتكليف الشرعي، فيصبح مكلفا بالواجبات المفروضة عليه كالصلاة والزكاة والحج وغيرها من الأعمال الواجبة.

وفي هذه المرحلة الحساسة، يخاطب الإسلام البالغين فيضع بين أيديهم تعاليمه ومفاهيمه وثقافته وأحكامه وقيمه ومبادئه المقدسة، طالبا منهم الالتزام بها والابتعاد عن الانحرافات والغرائز الجنسية التي عادة ما يقع في شباكها من يكون بعيدا عن تعاليم الإسلام ومبادئه وقيمه.

والغريزة الجنسية هي من أخطر الغرائز التي أودعها الله لعباده، فإنْ سيطر عليها الإنسان بالشكل المطلوب، وحكم فيها العقل، حتما سيستطيع الحفاظ على نصف دينه في دنياه، وهذا ما بينته الأحاديث الشريفة الواردة على لسان نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كقوله: "مَن تزوَّجَ فقد أحرزَ نصفَ دينِهِ". والمتأمل جيدا في الحياة الاجتماعية والأسرية يرى أن أغلب الانحرافات عن القيم الإنسانية والدينية والأخلاقية يكون سببها عدم السيطرة على الغريزة الجنسية بالشكل المطلوب؛ فهي تختلف تماما عن بقية الغرائز مثل العطش والجوع وغيرها، فإن لم يلبِّ الإنسان غريزته الجنسية ولم يقم بإشباعها بالطرق السليمة والصحيحة والمناسبة فهو حتما يحكم على نفسه بصعوبة العيش في عالم الحياة.

والمتأمل في أحاديث نبي الرحمة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، يجد أن الإسلام ذم العزوبية، فالرجل الأعزب والمرأة العزباء مذمومان من قبل الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "شِرارُكم عُزَّابُكم"؛ لذا شجع الإسلام على الزواج بهدف إشباع الغريزة الجنسية واستغلالها الاستغلال الأمثل في صناعة الأسرة، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ اَلْأُمَمَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ حَتَّى بِالسِّقْطِ"، وقال: "اَلنِّكَاحُ سُنَّتِي فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي".

إنَّ حياة الإنسان في الداخل الأسري والاجتماعي فيها الكثير من التفاعلات والحوارات بين الرجل والمرأة؛ سواء على صعيد العمل أو ما تتطلبه شؤون الحياة؛ لذا فمن الطبيعي أن يكون هناك ميولا وانشدادا بينهما، ولحفظ ذلك الميول والانشداد، وعدم الانحراف والوقوع في شباك الجريمة وضع الإسلام ضوابط مهمة في التعامل بين الجنسين الذكر والأنثى؛ لكي لا يكون الإنسان حاله حال الحيوان في سلوكه وأخلاقه عند استخدام غريزته الجنسية.

فما هي تلك الضوابط التي تحفظ الغريزة الجنسية، وتجعلها تسير في طريقها الصحيح الذي يضمن للإنسان بناء شخصية طيبة ومحترمة في المجتمع؟

الضابط الأول: غض البصر؛ فلقد أنعم الله على عباده بوافر النعم، ومن أهم تلك النعم نعمة البصر، وذلك من خلال العين التي يبصر بها الإنسان ما حوله من جمال الكون وعجائبه ولطائفه وتفاصيله؛ فقد قيل: "إذا أردت أن تعرف نعمة الله عليك فأغمض عينيك". ومع أن العين نعمة عظيمة من الله تعالى إلا أنها في كثير من الأحيان قد تتحول إلى نقمة إذا لم يستخدمها الإنسان بالشكل الصحيح، فعن أمير المؤمنين ومولى الموحدين الإمام علي بن أبي طالب قال: "كَمْ مِنْ نَظْرَةٍ جَلَبَتْ حَسْرَةً"، لذا حذر الله سبحانه تعالى في كتابه العزيز من استغلال نعمة العين المبصرة في ما لا يصح النظر إليه، فقال تعالى: "وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ..."، وهنا نعلم أن غض البصر يجعل الإنسان يوظف غريزته الجنسية بالشكل المطلوب.

الضابط الثاني: الحجاب؛ وهو ستر الفتاة أو المرأة لجميع أجزاء بدنها ما عدا الوجه والكفين، فإذا خرجت المرأة من بيتها غير محجبة أو كانت ترتدي الحجاب ولكن بشكل غير متكامل كإخراج جزء من شعرها أو جسدها؛ فهي تكون بذلك سببا من أسباب اشتعال وثوران الغريزة الجنسية لمن حولها، لذا فإن الإسلام يحث على الحجاب الكامل الذي يجب أن لا يكون مثيرا بحيث يظهر مفاتن المرأة أو رقيقا يُرى من خلاله ما يجب ستره، وكما قال الشاعر محمود مفلح مخاطبا المرأة: "أسدِلي يا ابنةَ الكرامِ الحِجابا// وافخَري فيهِ مظْهراً ولُبابا// إنَّ فيه العفافَ والطهرَ والحِشمةَ// والمجدَ والتقى والثَّوابا لا تُبالي بما تَرْين من الزَّيفِ// فليس السرابُ إلا سرابا".

الضابط الثالث: الابتعاد عن كل ما يثير الغريزة الجنسية، من القراءات أو المشاهدات، أو التتبعات على بعض قنوات التواصل الاجتماعي: مثل قراءة الروايات والحكايات التي تتحدث عن الإثارات الجنسية، ومشاهدة المواقع المختلفة التي تهتم بنشر الإباحيات المحرمة التي ليس لها أهداف سوى فساد المجتمع وأفراده.

الضابط الرابع: استغلال الوقت بما يفيد؛ ذلك أن الفراغ هو عدونا الخفي الذي يؤدي بالإنسان إلى الانزلاق والوقوع في رذائل الغريزة الجنسية، لذا فإن الإنسان الناجح في الحياة هو فقط من يحسن كيف يستغل أوقاته وينظمها ويديرها؛ بحيث يجعل من فراغه مليء بأعمال تعود عليه بالفوائد والنجاح والازدهار والتقدم.

إنَّ الضوابط التي تحفظ الغريزة الجنسية، وتجعلها تسير في طريقها الصحيح والسليم تعرضنا لأهمها أعلاه، وللإنسان العاقل أن يعلم أن الله تعالى ميزه بأداة العقل، وجعله مفكرا لبيبا ذكيا بين مخلوقاته، فما عليه إلا تحكيم العقل عند استخدام غريزته الجنسية ليستطيع بذلك الوصول إلى مرضاة الله تعالى.