د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري *
محدودية المُواطنين، وتوافر الثروة الريعية، والتوسع العُمراني، وعمليات تحول المجتمعات الخليجية من أعراف وتقاليد القبيلة إلى نُظم وقوانين الدولة والتي تمت بشكل غير طبيعي (شبهها المفكر الكويتي الدكتور محمد غانم الرميحي بعملية ولادة قيصرية، تحول بعدها الشيخ إلى أمير، والمشيخة إلى إمارة - الجذور الاجتماعية للديمقراطية في مجتمعات الخليج العربي1977).
هذه العوامل تعاضدت لتحول دول مجلس التعاون إلى أكبر منطقة جاذبة للعمالة الكثيفة (الفقيرة خبرة ومهارة وسلوكاً ووعياً صحياً) وكان من أخطر نتائجها، أن أصبح المواطنون أقليات في معظم دول المجلس، لا ثقل سياسي لهم، ضعف دورهم الإنتاجي، وتهمشت فعاليتهم السياسية سواء فيما يتعلق بشؤون حاضر مجتمعاتهم ومستقبلها أو ما يتصل بأمورهم ومصيرهم، أو حتى فيما يتعلق بمستقبل الكيان الخليجي (تماسكه واستقراره وأمنه).
هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، أدت الطبيعة الريعية للاقتصاد الخليجي إلى تبني الأنظمة الخليجية عقلية وثقافة ومسلكيات (الأبوية الرعوية) في علاقتها بمواطنيها، ومن ثمَّ فقدت المجتمعات الخليجية استقلالها الذاتي، وحرية حركتها المدنية، وأصبحت عالة على دولها. ومن ناحية ثالثة، فهذه الطبيعة الريعية للأنظمة الخليجية أدت إلى انحصار اهتمامات المُواطنين في تعظيم مصالحهم الخاصة على حساب حقوق المواطنة وواجباتها، واستشرى هذا المرض الاجتماعي حتى أصبح عاماً، وأصبح هدف المُواطن وأقصى طموحه، بناء عمارة فيها شقق ودكاكين، أو امتلاك برج للإيجار، طبقاً للمفكر القطري علي خليفة الكواري.
ما الحل؟ وما العمل؟
إنَّ الله لا يُغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، والحل يبدأ بكلمتين: (إرادة) حاسمة، و(إدارة) حازمة، ولن تتحق هذه الإرادة وتلك الإدارة، إلا إذا توافرت قناعة حقيقية لدى حكوماتنا بإعادة الاعتبار للمُجتمع الوطني، ولدى المواطنين بضرورة تفعيل دورهم الإنتاجي، وبأهمية مشاركتهم السياسية في صنع حاضرهم ومستقبلهم، وذلك عبر خطة استراتيجية وطنية مداها عشر سنوات، تكون أهم مرتكزاتها هي :
- تعزيز قوة العمل المواطنة ورفع إنتاجيتها في كافة المجالات التنموية، فنهضة الأوطان وتقدمها مرهونة بمدى مساهمة مواطنيها في ميادين التنمية والبناء والإنتاج. على حكوماتنا اتخاذ سياسات تحفيزية لزيادة مُساهمة مواطنيها في قوة العمل سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص.
- تشجيع المُواطنات على زيادة مساهمتهن في النشاط الاقتصادي، وتذليل كافة المعوقات التي تحجم نشاطهن.
- تجنيس أبناء المُواطنات، والمولودين في الخليج، والمُقيمين فيه لفترة كافية لتشربهم الثقافة العربية والخليجية، والعمل على إدماجهم، فهؤلاء عنصر رافد للجماعة المُواطنة، يُساعد على تصحيح الخلل السكاني.
- رفع سن التقاعد الخليجي إلى السبعين: فنحن مجتمعات تعاني الندرة في العنصر الوطني العامل فضلاً عن الكفاءات المُواطنة.
- تخفيف الاعتماد على العمالة الأجنبية تدريجياً، وإلغاء نظام الكفالة الاستعبادي، السيء السمعة دولياً.
- إصلاح القطاع الخاص: بدعم استقلاليته وحريته ليصبح الشريك التنموي الكفء لحكوماتنا في حمل أعباء التنمية، وتحريك الحياة الاقتصادية، وخلق الفرص الوظيفية لشبابنا وأجيالنا، كما الحال في الدول المُتقدمة.
- تنويع مصادر الدخل: الحكومة تاجر سيئ، وستظل معتمدة على المصدر الأحادي للدخل، بحكم اعتيادها التاريخي والعقلية البيروقراطية التي تسير نشاطها الاقتصادي، ولن تنوع المسار الاقتصادي رغم وعودها المتكررة طوال عقود سابقة، لذلك ينبغي أن يكون هذا التنويع من مهام شركات القطاع الخاص الخليجي بعد رفع مساهمتها في الناتج المحلي بتخفيف هيمنة الدولة عليها ورفع القيود المعوقة لحركتها. علينا أن نوطن أنفسنا أن سلعتنا الوحيدة التي نصدرها ونعتاش منها على مدى 70 عاماً، قد حجمت مكانتها الاستراتيجية وانخفضت قيمتها الاقتصادية، باكتفاء القوة الأعظم منها، وبتطور بدائلها من الطاقات النظيفة، ولن تعود الأسعار إلى ما كانت عليه في المستقبل المنظور.
- تخفيض وترشيد الإنفاق العام: إن مسؤلياتنا عن مستقل أجيالنا تقتضي وقف الهدر واستنزاف الموارد في مشاريع لا تضيف عائدا اقتصادياً حقيقياً، كما تتطلب الإقلاع عن سياسة المنح والمكرمات، وتغيير ثقافة التفاخر بالأحساب والأنساب والتباهي بالمظهريات. هذه مسؤولية وطنية ودينية وأخلاقية وإنسانية.
* كاتب قطري