إستراتيجية الرئيس الأمريكي المنتخب

خالد بن الصافي الحريبي

كيف ستُؤثر استراتيجية الرئيس الأمريكي المنتخب "الخيمة الكبيرة" على حياتنا؟

قال تعالى "وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس" صدق الله العظيم.. ومن هذا المنطلق فإنِّه في العشرين من يناير المُقبل سيتسلم الرئيس الأمريكي السادس والأربعين (منذ العام 1788) مهامه حسب الدستور الأمريكي.

وستعني هذه الإدارة الكثير لنا نظرًا لتطلع العالم لقيادة أكثر استقرارا وقدرة على التعامل بكفاءة مع التحديات الصحية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والبيئية لعالم ما بعد الجائحة. وبناءً على استراتيجية هذه الإدارة المرتقبة المبنية على مواجهة تحديات المستقبل برأب صدع تداعيات الاستقطاب الداخلي بتوسيع برامجها لتشمل أكبر عددٍ مُمكن من الشرائح والتوجهات المجتمعية السليمة، والتي أسمتها "استراتيجية الخيمة الكبيرة" (The Big Tent Strategy)، مقارنة بالإدارة السابقة التي ضيقت برامجها لتقتصر على شريحة الجمهوريين المُحافظين، فإنِّه من المتوقع أن الدول التي ستنجح في تحقيق مكاسب من هذه الاستراتيجية الجديدة هي الدول التي ستتكيف مع تأثيرات فكر واستراتيجية الخيمة الكبيرة في أربع ملفات متجددة: التحالفات الجديدة، والصراعات المتجددة، ومبادئ النظام العالمي الجديد، وخارطة الطريق للتعامل مع تداعيات الاستقطاب الأمريكي الداخلي.

  1. التحالفات مع الرابحين والخاسرين الجُدد:

التأثير الأول يتمثل في ظهور رابحين وخاسرين جدد مما يتعين معه تحديد مدى تأثر علاقاتنا الإقليمية والدولية بهذه التطورات. وحتى الوقت الذي نتمكن فيه من التعاون مع الدول بما يخدم مصالحنا المشروعة المشتركة لتعزيز تحالفاتنا بصورة أكثر عدالة واستدامة فإنِّه وبغض النظر عن توجهات الرئيس المنتخب، فإنَّ هيمنة التكتلات العالمية الغربية الاقتصادية والعسكرية ستستمر، وعلينا التكيف العملي- البراغماتي مع قائمة الرابحين الحقيقيين الذين تسعى استراتيجية الإدارة الديمقراطية الجديدة إلى ضمهم لخيمتها: من يُسمون بالمحافظين الجمهوريين، وحلفاء الإدارة الحالية في إسرائيل وحلفائها في الخليج وبريطانيا وبولندا والنمسا وروسيا وتوابعها وتركيا وشركات النفط والاتصالات العالمية الأمريكية والأوروبية ومنظمات التفوق العنصري.

ومهما كانت النتيجة فإنَّ قائمة الخاسرين الذين تسعى استراتيجية الإدارة الديمقراطية الجديدة للسيطرة عليهم تضم: الديمقراطيين التقدميين والمُسلمين والعرب والصين وشركاتها خاصة في مجال تقنية المعلومات والاتصالات ودول الخليج والوطن العربي غير المتحالفة مع إسرائيل، وإيران وإثيوبيا ونيوزيلاندا وقطاعات الصحة والتعليم والاقتصاد الأخضر.

كما أنَّ ضعف أداء الحزب الديمقراطي، المتمثل في تصويت حوالي نصف الناخبين الأمريكيين ضده، معناه أنَّهم سيتجهون لمواقف شعبوية تنقذهم في الانتخابات المُقبلة وتوسع خيمتهم، وستدفعهم للتخلي تدريجياً عن التعاطف ولو ظاهرياً مع قضايا المسلمين والعرب. كما سنشهد توجه المؤثرين الديمقراطيين لقادة جدد أكثر شعبوية مما سيضعف تماسك هذا الحزب أكثر، ما لم يظهر مخلص أكثر اعتدالاً لم يحسب له حساب.

  1. الاتفاقيات الإقليمية والصراعات المتجددة:

بالنسبة لنا في السلطنة فإنَّ الرئيس المنتخب سيتبنى خيارين يهدفان لتحقيق أهداف استراتيجية الخيمة الكبيرة، في التعامل مع ما يسمى في أمريكا بدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبما يجذب أصوات كتلة الإنجيليين الانتخابية: إما التطبيع العلني الفوري مع إسرائيل أو استمرار الاقتراض لشراء كميات ضخمة من الأسلحة العادية والبضائع الأمريكية مُقابل ضمان حماية استقرار الخليج، مما يضمن لأمريكا وهذه الكتلة دخلاً وفيراً وفرص عمل مجزية، ويشكل المزيد من الضغط الاقتصادي على خُطط السلطنة.

وسيُعزز هذا التوجه عدم قدرة الرئيس الديمقراطي المنتخب الوسطي، والذي لديه خبرة تشريعية وتنفيذية تمتد لخمسين عاماً على حسم مبكر في ولايات متأرجحة مثل فلوريدا وبنسلفانيا وميتشغان، واقتناعه بأنَّ هناك قبول كبير داخلياً لأسلوب إدارة الرئيس الحالي، في التنمر والتعامل الفوقي وفرض إتاوات على من يستضعفون أنفسهم وسحق المخالفين.

وستتأثر استراتيجية الخيمة الكبيرة بالنجاح الشعبوي لأسلوب الإدارة الجمهورية السابقة في استمالة قادة معجبين بتلك الإدارة في المنطقة بالذات، واتباعهم أسلوبه في التنمر وفرض إتاوات والسيطرة على الموارد الطبيعية والبشرية لمن يرى نفسه ضعيفًا، مما سيُؤدي لصراعات متجددة في الوطن العربي والبلقان وأفريقيا وجنوب شرق آسيا، وقد تتطلب هذه التوازنات الجديدة من السلطنة موقفاً أكثر صرامة وتأكيدا على مبادئ السلام في وجه هذه الاستقطابات الجديدة.

  1. مبادئ النظام العالمي الجديد:

في جميع الأحوال فإنَّ فوز أي مرشح بفارق ضئيل على الرغم من الضرر الواضح للصراعات الاقتصادية والسياسية والدينية التي أججتها الإدارة السابقة على مستوى العالم يعتبر بمثابة تراجع للمبادئ الإنسانية بصورة عامة، وهزيمة للعلم ومكارم الأخلاق والتواصل بين الحضارات. وستتطلب من المسلمين بصورة خاصة الصبر وقوة الإيمان والثبات والانفتاح على بعضنا لاستخلاص الدروس والعبر وتقريب وجهات النظر سعياً لتحالف حيادي أكثر اعتدالاً واستدامة.

وإحدى نقاط الضعف التي تضعف المبادئ التي تؤمن بها منطقتنا وتجعل تمثيلنا داخل الخيمة الكبيرة ضعيفًا هي عدم توحد كلمة أصوات المهاجرين داخل أمريكا. ويشمل هذا على سبيل المثال تردد أصوات كثير من أصحاب الصناعات والمحلات الصغيرة والمتوسطة من أصول مهاجرين آسيويين مسلمين وغيرهم. وبعض أصوات الآسيويين ضد حركة #BlackLivesMatter لأسباب عنصرية، أو لأنَّ إدارة الجمهوريين تغريهم بتعويضات لتأثر أعمالهم بالمظاهرات.

بل إنَّ من أخطر نتائج الانتخابات الأمريكية فوز معتنقي نظريات "القيادي الأمني السري" أو QAnon  بمقاعد في المجلس التشريعي الأمريكي- الكونجرس. هذه الطائفة تعتنق نظرية مؤامرة غير صحيحة على الإطلاق: بطلها الرئيس الحالي الذي تؤمن بأنه يخوض حرباً سرية للغاية ضد شبكة من منافسيه من قادة ديمقراطيين متورطين في جرائم تحرش بالأطفال، وتعادي كل ما له علاقة بالمسلمين والعرب.

  1. خارطة طريق للتعامل مع تداعيات الاستقطاب الأمريكي الداخلي:

السؤال حالياً: كيف لنا أن نتعامل مع تداعيات الاستقطاب الأمريكي الداخلي؟ وخصوصا في ظل سيطرة الفكر المحافظ على أفرع وسلطات الحكومة الأمريكية الثلاثة- التنفيذي (الرئاسة) والتشريعي (مجلس الشيوخ) والقضائي (المحكمة العليا). وتداعيات التهجم على السلطة الرابعة-الإعلام ووسمه كإعلام مزيف على مدى أربع سنوات، أو FakeNews، كيف ستتمكن استراتيجية الخيمة الكبيرة من إعادة الاعتبار للتوازن بين السلطات أو ما يسمى بمبدأ ChecksAndBalances؟

وهل يمكن لعلاقاتنا الدولية أن تحافظ على توازنها بين مبادئ وإغراء الاستقطاب الربحية وبين ومبادئ الاعتدال؟ كما أن تقدم الاستراتيجية الجديدة قد يكون تراجعاً لمبادئ شركات القطاع الخاص التي قد تعتبر قدوة عالميا والتي باعت دعايات سياسية بغض النظر عن المبادئ والمسؤولية المجتمعية، مع أن أصحابها عمالقة التكنولوجيا كمؤسس فيسبوك مارك زكربرج وبيتر ثيل مؤسس PayPal، وتقدم لصالح شركات تويتر ولينكدإن الثي ثبتت على مبادئها.

بالنسبة لخليجنا الواحد، الذي لم يتم ذكره عامة بأي صورة إيجابية طوال شهور الحملات الانتخابية، بما في ذلك خلال المناظرات الرئاسية المخصصة لعلاقات أمريكا الدولية، فقد تكون الخطوة الأولى في خارطة الطريق الاستفادة من المصالح المشتركة مع خطط الرئيس المنتخب واستراتيجية الخيمة الكبيرة المبنية على التنويع الاقتصادي. على سبيل المثال، عقد اتفاقيات كبرى في مجال الابتكار والطاقة_المتجددة وتقليل الاعتماد تدريجياً على النفط وحظر التكسير_الهيدروليكي Fracking مما سيسهم في بناء قوة ناعمة لدول مجلس التعاون وتحسين نظرة العالم لنا كمصدر طاقة الماضي والحاضر والمستقبل.

كما إنَّ خطوة أخرى في الاتجاه الصحيح هي الاتفاق على إعلان مبادئ مشترك جديد توضح فيه دولنا موقفها من أي استراتيجية أو صفقة لا تتفق مع مبادئها، كالصفقات مع صهر الرئيس الحالي جايرد كوشنر، التي كادت أن تودي بمجلس دول التعاون.

وختاماً.. فإنَّ سنة الله في الأرض أن تعتبر الأمم بالدروس المستفادة من الأمم التي سبقتها، ونظرا لتداعيات الاستقطاب الداخلي في إحدى قوى العالم العظمى فإنَّ علينا أخذ زمام المبادرة في تحديد مبادئنا مما يقوي جبهتنا ويوسع خيمتنا بصورة تجدد روح الأمة ويقيها تكالب الأمم على قصعتها.