الوعد في 2024

غسان الشهابي

مساء السبت؛ حيث أكتب هذا المقال، هو المساء الذي أعلن فيه عن الرئيس السادس والأربعين للولايات المُتحدة (سيدة العالم)، وأن جو (جوزيف روبينيت) بايدن الابن، ابن الثامنة والسبعين عاماً، قد تفوق على غريمه دونالد ترامب، الذي بدا أكثر شراسة منه في الفوز بالمنصب في نسبة تصويت غير مسبوقة بالنسبة للأمريكيين منذ 120 عاماً، وهذا يدل على الانقسام الكبير بين مُؤيدي المرشحين، والرغبة الجامحة ما بين الاتجاهين (الإبقاء على ترامب والإتيان ببايدن) خصوصاً وأنَّ الأصوات ظلت متقاربة فيما بينهما إلى أن توقف الفرز ليومين قبل أن تُعلن النتيجة أخيراً.

وكالعادة، سيهمنا رصد "الإخوة العرب" في هذا السياق الذين راحوا يتحدثون عن الرجلين وكأنَّ أحدهما سيحكمنا قولاً وفعلاً، وبينما الحماس في أوجه، قال أحد الترامبيين بعد الإعلان عن خسارة "مرشحه": "ربّ يوم بكيت منه، ولما انقضى بكيت عليه"، في إشارة إلى الأسوأ القادم، فردّ عليه آخر على التويتر: "لقد استنزف ترامب كل دموعنا، وليس هناك من طاقة لنبكي أكثر مما بكينا في عهده".

وبينما كان أنصار ترامب يعيدون ويزيدون في بث مُقابلة قديمة لبايدن يتحدث فيها عن أنَّه لن يعتذر عن دعم "إسرائيل" وأنَّه سيقف معها وأنَّه صهيوني مُتشدد وأن ليس من الضروري أن يكون يهودياً، كما أوصاه والده، بينما أنصار بايدن يعيدون من غير ملل ولا كلل المُقابلة القديمة لترامب مع أوبرا وينفري ويقول فيها إنه لو أصبح رئيساً للولايات المُتحدة فإنَّه "سيحلب العرب"، فأصبح المؤيدون من هنا وهناك كجارتين في حارة شعبية "يردحون" لبعض بأقذع الألفاظ، حتى قال أحد المتمادين على السوشال ميديا إنَّ ترامب فعل ما لم يفعله قبله 12 رئيساً أمريكياً منذ نكبة فلسطين، حيث اعترف بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل" ونقل سفارته إلى هناك، ومنح الجولان للعدو الغاصب، وهيّج موضوع التطبيع السريع، ومع ذلك خانه خونة العهود منذ الأزل وصوّت 77% من يهود أمريكا لصالح منافسه بعد أن رأوا أنَّه استنفد أغراض بقائه في السلطة وأن الدور الآن على الآخر، رد عليهما ثالث: تتحدثون عن 12 رئيساً أمريكياً منذ 1948!! هاتوا لي 12 رئيساً عربياً في أي جمهورية عربية منذ ذاك الوقت... أنا لا أتحدث عن الانقلابات والانقلابات على الانقلابات.

نعم، العالم كله ينشغل بالانتخابات الأمريكية وهذا لا شك فيه، وربما هناك من الأمم من هم مثلنا في الحماسة، ولكننا من أكثر الأمم المتضررة (حالياً)، وليس في أيدي الناس في أكثر الدول العربية غير "طق الحنك" على السياسات الداخلية والخارجية، فيصبح أكثر النَّاس هنا أكثر حماسة من الأمريكيين أنفسهم في النقاشات، ويغدو الحال أقرب إلى الجمهور المتحمس للمباراة، أكثر من اللاعبين في الملعب أنفسهم.

اللقاء في 2024 إن كانت في الأعمار بقية، لنشهد جولة جديدة من هذه الأجواء وكأنَّ شيئاً لم يتغير قيد أنملة.