المرأة العمانية.. مصباح لا ينطفئ (الحلقة الأخيرة)


د. مجدي العفيفي
10 رسائل قابوسية إلى المرأة
تستقطر الإعلامية منى بنت محفوظ المنذرية تجربتها التي استغرقت عمرها في المجال الإعلامي، وتمزجها بالتحولات التي شهدتها المرأة العُمانية الحديثة في المسارات التي سلكتها. تتجلى رؤيتها في هذا الكتاب حول المرأة كسؤال النهضة الدائم والمُستمر، وهو سؤال يُثير أكثر من علامة استفهام، تنساب إجابته في رصد النقلات النوعية التي حققتها المرأة العمانية والتي تحققت لها. وتسجل الدور السياسي للمرأة العمانية، كأول امرأة في منطقة الخليج تمارس حقوقها السياسية تصويتاً وتمثيلاً، في وثبة حضارية غير مسبوقة، جعلت المجتمع يتقبلها قبولاً حسناً.
تستخلص الكاتبة ملامح الخطاب الإعلامي للمرأة، سواء الذي تصيغ مكوناته بنفسها، أم الموجه لها، عبر صورتها في وسائل الإعلام، وكيف استثمرت هي هذا الخطاب، وإلى أي مدى تمكنت من تحويله لصالحها. وتحلل المؤلفة خطاب المرأة الثقافي، بطرح مفرداته الإبداعية في عالم الآداب والفنون بمختلف تشكيلاتها، وكيف تعبر المرأة العمانية عن رؤاها للإنسان والعالم والكون، وتؤكد منى بنت محفوظ المنذرية أنَّ المرأة العمانية مصباح نسائي لا ينطفئ، ولا ينبغي له، لأنه يستمد نوره من شجرة النهضة العمانية، وفي هذه القراءة الكاشفة لكتابها نقرأ مشهدا متراكباً لصورة المرأة من خلال ما اسمته الرسائل العشر من السلطان قابوس للمرأة.
الرسالة الأولى انبثقت من الإشارة الأولى إلى المرأة ضمنيًا بمناسبة وصول السلطان قابوس بن سعيد إلى مسقط لأول مرة، وقد استنهض في بيانه الأول الروح الجماعية، بعبارته « الجميع سواسية» رجلا وامرأة، واعتبر أنَّ المرأة عضو فعال، يحدث غيابه أو تغييبه اختلالا في هيئة المجتمع: "إننا نأمل أن يكون هذا اليوم فاتحة عهد جديد لمستقبل عظيم لنا جميعاً.. إن الحكومة والشعب كالجسد الواحد، إذا لم يقم عضو منه بواجبه اختلت بقية الأجزاء في ذلك الجسد، إننا نأمل أن نكون عند حسن ظنكم كما نأمل كذلك وفي نفس الوقت أن تكونوا عند حسن ظننا» تقول المؤلفة «تلقينا نحن نساء عمان هذه الرسالة كأحسن ما يكون التلقي لخطاب أشعرنا بإنسانيتنا، وأشاع الفرح في نفوسنا، وبث الأمل في طموحنا، واعتبرنا - كنساء - شقائق الرجال، قولا وفعلا، كلنا سواسية، وأنَّ المُجتمع الجديد يتسع للجميع".
الرسالة الثانية تجلت فيها أول ومضة واضحة خاصة بالمرأة في الثامن عشر من شهر نوفمبر 1972 كانت بشارة تعليمية جسدتها الكلمة الخالدة التي اشتهرت بيننا كعُمانيين، وبيننا أكثر كنساء، فصارت تاجاً على رؤوسنا نزهو به ونفخر ونعتز، إذ قال جلالته: «المهم هو التعليم حتى تحت ظل الشجر، ولم يغب عن بالنا تعليم الفتاة وهي نصف المجتمع» والرسالة الثالثة كانت في 1975 كانت الإشارة السامية التالية:«إننا عازمون على إتاحة الفرصة لأجيالنا الصاعدة، الشباب والشابات، لكي يعدوا أنفسهم في أن يقوموا بدورهم في مصير بلادنا» والرسالة الرابعة: في عام 1977 جاء في النطق السامي: "المرأة العُمانية تتمتع بالحرية الكافية لتأخذ دورها كاملاً وتحقق تطلعاتها، وأن المرأة العمانية تقوم بدورها في مجتمعنا وسوف تستمر في النهوض بهذا الدور".
في هذه البشارة تثبيت للمربع الذي تقف فيه المرأة تمهيدا للانتقال المرحلي إلى مربعات أخرى متجاورة، يفضي بعضها إلى بعض، وفيها أيضاً دعوة لاستثمار الفرصة لانطلاقة نسائية مجتمعية، وهي دعوة تحفزها للعب الدور المنوط بها والمأمول منها، كتكليف من القيادة السياسية الحكيمة، وفيها كذلك وعد واستباق للآتي، إذ إنَّ هذا الدور يحمل صفة الاستمرارية، وقد كشفت التحولات مدى عظم هذا الدور اجتماعيا وسياسيا بما حمله من خطوات متئدة ونتائج باهرة، وطموحات تتواصل ويرتفع سقفها مع كل مرحلة، كما سيتجلى في البشارة التالية التي تعتبر العمل السياسي هو المكون الأساسي لها، ومن ثم فهي ثلاث بشارات متداخلة ومتكاملة ومتفاعلة في آن واحد.
الرسالة الخامسة: يضيئ الخطاب السلطاني هذه البشارة وهو يخاطب العالم في واحدة من وسائل الإعلام الأجنبية الشهيرة عام 1995 "منذ مدة طويلة وأنا أعتقد أن أبعاد المرأة من لعب دور حيوي في حياة البلاد يعني في الأساس استبعاد 50% من إمكانيات وطاقات البلاد، واليوم فقد بلغت المعايير التعليمية وسط النساء مستويات مرضية، وأصبح من الواضح أنهن على استعداد لقبول المسؤوليات الدقيقة للتعبير عن الرأي السياسي".
اعتبر الخطاب السامي الرسالة السادسة أن مشاركة المرأة في مجلس الشورى، سمة من سمات فترته الثانية في ديسمبر 1994 ووصفها بأنها: «مشاركة من نوع جديد» وهي «دخول المرأة مجلس الشورى لأول مرة".
الرسالة السابعة: تعبر عن القوة التي اكتسبها جناح المرأة للتحليق المستمر بطائر المجتمع، إذ أقدم جلالة السلطان المعظم على خطوة عمانية رائدة في منطقة الخليج، فمنح المرأة العمانية أكثر من حقيبة وزارية مع بداية الألفية الجديدة تشير إلى التمثيل النسائي في السلطة التنفيذية.
والجدير بالذكر أنه بعد إجراء هذه الخطوة العمانية، عينت الحكومات الخليجية أكثر من وزيرة، وأثبتت أنها قطب متحرك في السياسة، بعد أن تبوأت مناصب وزارية مهمة، إشارة إلى تصاعد دورها في مجتمع ينفتح على التغييرات العالمية المعاصرة، وباتت تمارس دورها بحنكة واقتدار. واعتبرت دوائر صنع القرار في العالم أن هذه الخطوات تؤكد الدور الجديد للمرأة الوزيرة في دول الخليج العربية على صورة منفتحة حيال التغيرات التي يشهدها العالم وتتفاعل معها المجتمعات الخليجية، فتبرز فيها المرأة ليس فقط في مواقع ووظائف إدارية عالية، بل تتخذ مكانة مرموقة في عالم السياسة، حيث تتقلد مناصب قيادية ومسؤوليات سياسية عليا.
في الرسالة الثامنة يتصاعد مؤشر الاهتمام بالمرأة العمانية باستمرار، وترتقي درجات متواصلة ومتجددة في السلم الاجتماعي، وتتسع أبعاد المنظومة النسائية، ويزدان عقدها ببشارة أخرى ففي افتتاح مجلس عمان عام 1997 جاء في خطاب جلالة السلطان المعظم: "ها نحن اليوم نقوم بتكريمها مرة أخرى، وذلك بتعيينها في مجلس الدولة، لنرفع من مكانتها، ونعزز من فرص مشاركتها في خدمة مجتمعها وتنميته وترقيته، إضافة إلى مهمتها الكبرى في بناء الأسرة، وغرس الانتماء والولاء في نفوس الأجيال الصاعدة".
تحمل الرسالة التاسعة إلى المرأة، بعدا فكرياً ذا مسحة فلسفية، تكشف مجددا، عن اتساع المنظور السامي لاحتواء المرأة دورا ووظيفة، كما يتبدى في خطابه بتاريخ 16/11/2009: «لقد أولينا، منذ بداية هذا العهد، اهتمامنا الكامل لمشاركة المرأة العُمانية، في مسيرة النهضة المباركة فوفرنا لها فرص التعليم والتدريب والتوظيف ودعمنا دورها ومكانتها في المجتمع، وأكدنا على ضرورة إسهامها في شتى مجالات التنمية، ويسَّرنا من خلال النظم والقوانين التي تضمن حقوقها وتبين واجباتها، وتجعلها قادرة على تحقيق الارتقاء بذاتها وخبراتها ومهاراتها من أجل بناء وطنها، وإعلاء شأنه».
وقد قدم النطق السامي إضاءة باهرة - في هذا السياق - هي بمثابة التأسيس للأجيال القادمة، إذ أكد جلالة السُّلطان هذه الاستمرارية: «ونحن ماضون في هذا النهج، إن شاء الله، لقناعتنا بأن الوطن في مسيرته المباركة، يحتاج إلى كل من الرجل والمرأة، فهو بلا ريب، كالطائر الذي يعتمد على جناحيه في التحليق إلى آفاق السماوات، فكيف تكون حاله إذا كان أحد هذين الجناحين مهيضا منكسرا؟ هل يقوى على هذا التحليق؟» من أجل هذا التحليق حققت هذه الرسالة السامية نقلة نوعية مجتمعية في تعزيز صورة المرأة في منظور المجتمع.
تبقى الرسالة العاشرة ويتجلى التتويج السامي للمرأة في البشارة التقويمية التي فاجأت المجتمع كله، بتخصيص يوم السابع عشر من شهر أكتوبر من كل عام ليكون «يوم المرأة العمانية». ومثل هذا التكريم يحمل لمسة تقويمية خاصة بها، وإن كانت تشارك المرأة في العالم بيوم الثامن من شهر مارس كيوم عالمي للمرأة، مع «يوم 21 مارس» أو «عيد الأم» في العالم العربي. نعم ... لقد حق للسلطنة أن تحصل على المركز الثاني على مستوى الدول العربية، والمركز الأول على مستوى دول الخليج العربية في مجال حقوق المرأة.
ويظل المصباح النسائي الذي أشعلته الإعلامية القديرة منى بنت محفوظ المنذرية مشتعلا ومتوهجا.