التفكير.. الجوهر والنقد

جيهان رافع

قال فرانك كلارك: "النقد مثل المطر ينبغي أن يكون يسيرًا بما يكفي ليغذّي الإنسان من دون أن يُدمّر جذوره".

 

بعد تذوّق الكلمة يأتي التحليل كي يُميزها الناقد بما تعنيه نفس الكلمة في موقع آخر من جملة أخرى وليُوضح مقصد الكاتب أو القائل منها فهل كان يعني السوء لهدفٍ ما أم كان يعني حسن النيّة، وبهذا يدخل النقد عالم التفكير الجوهر كي يبتعد بمنظومته عن المآرب الشخصية ويبدو بوجهٍ حسن لا غبار على تحليلاته، وهذا ما نجده في مقالات كثيرة تناولت الأدب والكتّاب وحتى في الاقتصاد والسياسة وبعد التذوّق والتحليل تأتي مرحلة التقييم وهنا تكمن قدرة الفكر الجوهر فهل سيخرج بصورة متكاملة منصفة لمن وجّه إليه النقد مع مُراعاة اختلاف أنواع القواعد المطبّقة في النقد الأدبي عن النقد الديني مثلًا فكل نهج يختلف عن الآخر وكل محتوى موضوع يختلف عن الآخر باختلاف البيئة والتفكير الجماعي بما قدّمه الناقد فإذا انتقص إحدى القواعد خرج عن الهدف الرئيسي المراد.

وكما قال عبد الكريم بكار: "حاجتنا للنقد لا تقل أهميّة عن حاجتنا إلى البناء".

لقد تميّز النقد في الجاهليّة بلحظيته وتأثره المُباشر وعدم التحليل لأنه اعتمد بشكلٍ أساسي على الحدس أو الشعور المُباشر بالكلمة ولم يحتوي على قواعد تنظمه ثمّ جاء عصر الإسلام ليطوّر من النقد في الدقّة والأحكام والصدق في المبادئ وفي القرن الثالث الهجري أخذت مُؤلفات النقد تبرز بأهميتها واهتمامها بتقويم المُفردات ووضعها بميزان القوّى والضعف.

وإذا أردنا الدخول في العالم الفلسفي أو النفسي للتفكير الجوهر والنقد نجد أنّ القدرة العقلية للإنسان منحته ميزات خلّاقة عن باقي الكائنات، وكلما كانت هذه القدرة مسيّرة بالطريق الصحيح أصبح التفكير جوهر وراء كل تقدم أو نجاح وبذلك يُسيطر على مجمل نواحي الحياة وحين سخّر الله له الطبيعة سخّره لها كي يتجه نحو التفكير المُنتج ويستفيد من خيراتها وليتوصل إلى اليقين في الإحساس بما يدور حوله وربما الإحساس بما هو قادم إليه فمثلًا نرى أنَّ بعض اللقاءات العملية أو الشروع بمشروع عملي سيشعر بنجاحه أو فشله لكنه يبقى بين التأرجح بأفكاره واتخاذ القرار حتى يمرّ الوقت ويؤكد شعوره من نفيه ويبقى كل شيء في التفكير الجوهر قابل للتطور والاكتساب كما يدفعه للتساؤل دائمًا والشك والتكيّف وإيجاد الحلول في كل مشكلة تصادفه، لذلك إن مادة التحليل في علم النفس هي العلاقة بين الإنسان بالآخر فبناء الشخصية ينبع من علاقة الفرد بأبويه منذ البداية فهي ذات مردود بنيوي يقضي بتوجه البنية إلى أنَّ تكون ذهانية أو حدودية أو عصابية أو وجدانية فبذلك يكشف توجه النقد السلبي أو الإيجابي عن علاقة الناقد بأبويه وإذا لم يضمّن الناقد نقده بالبعد السايكولجي سيبقى ناقصًا لتقصيره بالإحاطة بدوافع الآخر.

وقول كفاح فيّاض جاء ليؤكد هذا حين قال: "عندما يكون الإنسان كثير النقد، يكون في الحقيقة يعبّر عن مخاوفه فقط".