جابر حسين العماني
الأسرة هي الكيان المُقدس، والمكان الذي يسعى إليه الرجل للحصول على الهدوء والراحة والاستقرار والاطمئنان مع شريكة حياته، التي يجب أن تكون له سنداً وعوناً في الحياة بابتسامتها وانشراحها وبهجتها وطاعتها له، ليشعر بطعم الراحة والاستقرار والهدوء والاطمئنان الذي ينسيه آلام الحياة ومتاعبها.
إنَّ الرجل الذي لا يُحسن اختيار المرأة الصالحة التي ينبغي أن تكون مدرسة "إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق"، فإنِّه قد يبتلى بزوجة تتصف بصفات ذميمة تريه بها نجوم النهار وتنسيه سكون الليل، ومن تلك الصفات المؤلمة التي قد تواجه الرجل لسوء اختياره هي صفة التنكيد، وهي صفة كريهة تتصف بها المرأة النكدية، وهي سبب رئيسي لإثارة المشاكل المتكررة بين الزوجين، فالأسرة التي تقودها المرأة النكدية تعيش الأمراض والأسقام المستعصية والمتواصلة، التي لا تعود بالخير والراحة على الأسرة وأفرادها.
فيا ترى من الزوجة النكدية؟
الزوجة النكدية: هي الزوجة التي تنكد حياة زوجها وتضيق عليه كل شيء، فبدلاً من أن تجعل من حياته هانئة وسعيدة، تقلبها إلى أجواء من الحزن والهم والغم، فلا يرى منها زوجها إلا التشاؤم والحزن والكآبة، شغلها الشاغل التحقيق الدقيق مع زوجها في كل شيء، فبمجرد أن تراه قادماً من الخارج تبادره بالأسئلة: من أين أتيت؟؟ وأين ذهبت؟؟ وبمن التقيت ؟؟ ومتى وصلت؟؟ وماذا فعلت؟؟ فهي تهتم بمعرفة تفاصيل زوجها الأسرية والاجتماعية الخاصة جدًا. لا تحب الهدوء والتعقل بقدر حبها للملاسنة وإثارة المشاكل، لا تؤمن بالحكمة والتعقل مطلقاً، بل تتخذ من الغضب، والعبوس، والزعل، والقطيعة، والغيرة الشديدة عادة لها، فتراها أحياناً تكون أستاذة لإبليس في تصيدها لأخطاء الآخرين، فتلك صفات تجعلها بعيدة عن روح الإسلام المحمدي الأصيل..
وما آثار الزوجة النكدية؟ الآثار التي تخلفها الزوجة النكدية كثيرة مثل:
- هروب الزوج إلى أهله وأصدقائه بحثاً عن الراحة والهدوء والاطمئنان الذي يفتقده في بيته.
- الطلاق العاطفي فهو لا يشعر بوجود الزوجة المطيعة التي يجب أن تلبي احتياجاته الجسدية والنفسية، فتتجمد العلاقة بين الزوجين، وتكون بلا ذوق وحس وطعم، مما يُؤثر سلباً على الأولاد.
- كثرة المشاكل والنزاعات التي لا جدوى منها في الحياة الزوجية..
- شدة كره زوجها لها بسبب تعاملها الجاف معه ومع من حولها في الأسرة والمجتمع..
إذن.. كيف نتعامل مع المرأة النكدية؟
في كثير من الأحيان قد تكون المرأة النكدية واقعاً مفروضاً على الأسرة، فيقع الرجل ضحية ذلك الواقع المرير، فتجد الكثير من الأزواج حائرين أمام الابتلاء العظيم الذي يواجهونه من المرأة النكدية، لذلك لابد للرجل من التفكير الجاد للحصول على الحلول المناسبة التي تسهل عليه التعامل مع الزوجة النكدية بحيث يجعلها تخفف من تلك الصفات الذميمة، ومن أبرز تلك الحلول التي ينبغي مراعاتها جيداً:
أوّلًا: الصبر الجميل: وهو سبب رئيسي يجعلها تراجع نفسها وتصرفاتها وتعاملها مع من حولها، بل ويشعرها في كثير من الأحيان بالحرج والذنب مما تقوم به من عادات سيئة منافية للأخلاق، لذا فإنَّ الصبر عليها خطوة جبارة للتغير نحو حياة أفضل وأجمل مع نفسها.. روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (مَن صَبَرَ عَلى سُوءِ خُلُقِ امرَأتِهِ واحتَسَبَهُ؛ أعطاهُ اللّه تعالى بكُلِّ مرة يَصبِرُ علَيها مِنَ الثَّوابِ، ما أعطى أيُّوبَ "عليه السلام" عَلى بَلائهِ.. وكانَ علَيها مِنَ الوِزْرِ في كُلِّ يَومٍ ولَيلةٍ؛ مِثلُ رَمْلٍ عالِجٍ) و"رمل عالج": تعبيرٌ كنائيٌ عن زيادة الشيء وكثرته بحيث لا يكون قابلاً للإحصاء..
ثانيًا: مصارحة الزوج لزوجته: وذلك بذكر السلوكيات والصفات السيئة التي تزعجه منها، ولكن بشرط اختيار الأسلوب الأمثل، والحوار الهادئ الرزين، وتجنب الإساءات، من خلال تقديم الشرح المناسب لسلبيات النكد الكارثية وآثارها المدمرة على الأسرة..
ثالثاً: التجاهل: فهو سلاح نافع في كثير من الأحيان في التعامل مع المرأة النكدية، فمن الحكمة تجاهل صفة النكد في المرأة والتركيز على الثناء للصفات الحميدة التي تتحلى بها المرأة النكدية.
ومع كل ما ذكرناه عن صفة الزوجة النكدية لابد أن نعلم أن صفة النكد ليست محصورة في الزوجة فحسب، فقد يصاب الزوج أيضاً بهذه الصفة الذميمة، فيطلق عليه الزوج النكدي، وهو من تنقصه المشاعر والأحاسيس المرهفة والجميلة والصادقة تجاه زوجته، لذا تجده دائماً ما يفتقد الكلمات العذبة والرقيقة والجميلة في حق زوجته فيخلق بذلك المشاكل في الأسرة..
هنا يجب على الزوجين أن يدركا جيداً ألا أحد في هذا الوجود بأسره متكامل، فالكمال لله الواحد الأحد سبحانه وتعالى، فكل إنسان له عيوبه الخاصة، لذا ينبغي على الزوجين تقبل عيوب بعضهما البعض، ومقابلتها بالحكمة والرحمة والمودة والحنان، فبدون ذلك لن يستطيعا الوصول إلى بر الأمان.
عندما يعي الزوجان أهمية الحوار والاحترام والتسامح والتصافح والعناق وتطبيق ثقافة الاعتذار بينهما، فإنهما حتماً سيسيران في أمن عائلي رائع ينسيهما متاعب الحياة وآلامها ونكدها، فما أجمل أن يتواضعا لبعضهما البعض، وكما قال الشاعر: تَوَاضَعْ تَكُنْ كَالنَّجْمِ لاَحَ لِنَاظِرٍ// عَلَى صَفَحَاتِ المَاءِ وَهُوَ رَفِيعُ// وَلاَ تَكُ كَالدُخَّانِ يَرْفَعُ نَفْسَهُ// إلَى طَبَقَاتِ الجَوِّ وَهُوَ وَضِيـعُ.
إن تطبيق الصفات الحميدة التي أوصى بها الإسلام المحمدي الأصيل من قبل الزوجين سيجعلهما من الناجحين المتفوقين في محاربة صفة النكد وإبعادها عن الأسرة وأفرادها، بل وعدم امتدادها إلى الكيان المجتمعي الذي ينبغي أن يسهم الجميع في توعيته من تلك الآفات وخطورتها ليحل في مكانها الحب، والتفاهم، والتعاون، والتواضع، والحوار الهادئ المدروس الذي لابد أن يكون من أهم الأسس التربوية التي تبنى بها الأسرة لتكون قوية مُتماسكة، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.