د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري *
اقترحت سابقاً (4) تعديلات على التشريع الأُسَري : تقييد حق الطلاق، الأم المُطلقة أحق بحضانة أطفالها ولو تزوجت، حظر زواج القاصرات، حق الزوجة في التعليم والعمل والسفر المشروع مُطلقاً، بهدف مواكبة التشريع الخليجي للتغيرات الاجتماعية ومصالحة المواثيق الحقوقية الدولية ومقاصد الشريعة العليا والدساتير الخليجية وروح العصر.
خامساً: تقييد وضبط تعدد الزوجات:
التشريع الخليجي يجعل التعدد ( حقاً مزاجياً) للرجل، دون أي قيد تنظيمي. التشريع القطري وحده كان متقدماً خليجياً، إذ نص على قيدين: (علم الزوجة بحالة الزوج المالية) و(إخطار الزوجة بهذا الزواج بعد توثيقه).
ولاجدال في مشروعية التعدد بالكتاب والسنة وعمل الصحابة، ولكن هل ما يحصل من مُمارسات على أرض الواقع المجتمعي هو ما يتفق وحكمة الإسلام في إباحة التعدد؟!
من يتعامى عن المآسي الاجتماعية الناتجة عن التعدد العشوائي على الكيان الأُسَري وعلى تنشئة الأطفال بسبب إهمال الزوج لهم وانصرافه للزوجة الجديدة التي سلبت لبه، ويظل معانداً منكراً فهذا شأنه؛ لكن ينبغي أن تكون للمشرع كلمة بل كلمات.
آلاف الأمهات الخليجيات ضحايا التعدد (المنفلت) يعانين في ساحات المحاكم طلباً لحقوقهن وحقوق أولادهن وتمر السنوات وقضاياهم معلقة بسبب الإجراءات. لقد أنتج التعدد (غير العادل) أسراً مفككة خلفت ضحايا، أطفالاً حرموا التنشئة السوية فانحرفوا وصاروا رافداً يغذي الجماعات المتطرفة والإرهابية.
يقولون: إذا قيدنا التعدد ووضعنا له ضوابط، دفعنا الرجل إلى نكاح السر: المسيار، والعرفي، والمتعة، والخليلات، وشجعنا الزوجة على طلب الطلاق فلا تشم رائحة الجنة !
عجباً، خافوا على نزوات رجل ولم يخافوا على مشاعر أم مفجوعة! أين دور القانون في ضبط مسلكيات الزوج؟ ولماذا يحذر الدعاة والوعاظ الزوجة من طلب الطلاق إذا لم تحتمل نفسيتها الضرة؟! لماذا يهددونها بحرمانها من رائحة الجنة؟! هل يعقل في شرع سماوي عادل أن يطلق للرجل الزواج مثنى وثلاث ورباع ثم يقول للمرأة عليكِ قبول الوضع وإياكِ وطلب الطلاق وإلا حرمت من الجنة؟! حاشا أن يكون ذلك في دين، رسوله أكبر ناصر للمرأة في عصره، القائل متباهياً: أنا ابن العواتك من قريش، وليقل الدعاة ما يقولون. الذين يطالبون المرأة بالرضا بالضرة والصبرإنما يطالبونها بمخالفة فطرتها التي فطرت عليها.المرأة تغير على زوجها من أصدقائه فكيف بالضرة؟! من ترضى فلأسباب قهرية، وهي شذوذ عن الفطرة لا يُقاس عليها.
ليس من العدل أن تبني امرأة سعادتها على حساب شقاء غيرها، وليس من الحكمة أن نبني بيتاً على أنقاض بيت آخر، وليس من الصواب أن نعالج مشكلة بخلق مشاكل أخرى. الحاصل اليوم في المجتمع الخليجي، أن التعدد، وبالتطبيق السيئ له، ساهم في تضخم مشكلتين خطرتين: 1- زيادة نسبة انحرافات الناشئة نتيجة المنازعات الناتجة عن التعدد وافتقادهم القدوة الصالحة. 2- وزيادة معدل الطلاق الخليجي.
كيف تريد أن تصنع مجتمعاً سوياً وبعض الآباء يلجأون إلى زيجات السر ليخفونها عن الأولاد وأمهم، ليفاجأوا بعد موته بضرة وإخوة يشاركونهم الميراث ؟! من قال إن هذا من الإسلام، وأي مروءة أو خلق تسمح للمسلم بالكذب في الزواج؟! وأي قدوة تربوية يرسخها هذا الأب في أبنائه ؟! وكيف لا يتأثرون بهذا السلوك المعوج؟ وكيف لا ينقمون على المجتمع وهم يرون، مثلهم الأعلى،كاذباً متستراً بفتاوى تسوغه ؟! على الرجل أن يكون رجلاً، ليعدد وليصارح زوجته وأولاده، فذلك أرحم وأعدل من أن يصدموا بعد موته بالضرة والأولاد، لا خير في زواج الكتمان، ذلك هو السوء بعينه، وإن شرعه بعض الفقهاء.
الخلاصة: أباح الإسلام التعدد (حلاً) لمشكلة فردية أو اجتماعية، لا(حقاً) مزاجياً لإشباع نزوات الرجل وهدم البيوت العامرة وتشريد الناشئة ومن ثم إضعاف المجتمع. الخليج لن ينهض ويتقدم ويزدهر إذا ظلت عوامل الهدم (الطلاق العشوائي والتعدد المنفلت) تنخر في الكيان الأُسَري دون ضوابط منظمة.
* عميد كلية الشريعة والقانون جامعة قطر سابقًا