حوار هادئ

 

 

حمد بن صالح العلوي

al3alawi33@gmail.com

 

قارئي العزيز...،

صباحك نور، ومساؤك نور، وقلبك نور، وفؤادك نور، ولسانك نور.. جعل الله تعالى في قلبك وفؤادك وجميع جوارحك نورا على نور.

قرأتُ يوما قول القائل:

أدب الكلام دليل عقلك يافتى...

فانظر كلامك إنه الميزان 

إن الذي يحوي العلوم وما حوى...

أدب الحوار يخونه البرهان

من لم يزده العلم حسن تصرف...

ذاك امرؤ في عقله نقصان

قارئي العزيز...،

إننا أبناء العربية أهل بلاغة وعلوم بكل فنونها وألوانها وأنواعها من نحو وصرف وبلاغة، لكننا بعيدون كل البُعد عن العربية وما فيها من علوم.

إننا ينقصنا مهارات عدة؛ ومن هذه المهارات: أدب الحوار، القول وأحسنه، وألطف معانيه، الحوار مع من حولنا، خصوصا مع آبائنا وأمهاتنا، الحوار مع كبار السن، والحوار مع الصغار، ومع من حولنا من الناس، صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم، رجالهم ونساءهم، شيبا وشبانا، بدليل حينما نتجاذب الحديث مع بعضنا البعض، كلٌّ منا لا يريد الهزيمة لنفسه، وإنما يكون هو فارس الكلمة بلا منازع.

سأقصُّ عليك حكاية: في صبيحة يوم من الأيام، كنت ذاهبا لإحدى الدوائر الحكومية، والتي كان فيها مكتبنا ذات يوم، كنت متواجد فيها ما بين السابعة والنصف إلى الثانية ظهرا، ولا أتغيب إلا إن كانت عندي زيارة إلى إحدى المدارس بنين وبنات أو طرأ ظرف.

وصلتُ بعون الله وتوفيقه، أوقفتُ السيارة في الموقف المخصَّص لوقوف السيارات، اطفأت المحرك، عدلت ثوبي وعمامتي، ووضعت الكمامة، ونزلت.

ومن ثمَّ خَطَوتُ بضع خطوات إلى داخل المبنى، دفعتُ الباب الخشبي بكفي اليمني، مُسمِّيا ببسم لله الرحمن الرحيم، وإذا باثنين من رجال الأمن، جالسين، أقبل الأول نحوي، مُلقيا التحية والسلام، رددت عليه بأحسن منها.

ثم قال: مرحبا بك أستاذنا، وفي يده مقياس للحرارة، قرَّبه عند الجبهة، أين مقصدك؟

أجبته: أقصد الدائرة الفلانية، سمح لي بالذهاب، بعدما دوَّن في دفتره اسمي ورقم هاتفي.

صعدتُ الطابق الأول عن طريق الدرج، اتَّجهت يسارا، وإذا بموظفيْن اثنين، أول مرة ألتقى بهما، الأول عبوس الوجه قمطريرا، والثاني باش الوجه مسرورا، ألقيتُ عليهما التحية مبتسما، وعرَّفتهما باسمي والقصد من مجيئي.

ثم دار بيننا حوار أو حديث مطول، ثم قربت كرسيا وجلست، وحديث تلو حديث، وسرد مواقف وحكايات كثيرة، مرت علينا، حينما كنت في مكانهما وأخبرتهما المهام الموكلة لي آنذاك.

بعدها طلبتُ من كل منهما مستأذنا، رقم هاتفهما النقال، وبالمقابل يأخذان رقم هاتفي.

اعتذر الأول كونه ليس المسؤول عمَّا أخبرته عنه. أما الثاني، فأخذ ورقة وقلما وكتب رقم هاتفه وهواتف كل من المسؤول المباشر ومدير الدائرة ونائبه.

قُلت لهما: نحن بحاجة إلى حوار هادئ رزين، لا جدال فيه ولا تقطيب للجبين، وأفهمتهما أننا نريد عقولا تعي وتفهم لغة الحوار.

ثم شكرت صنيعهما.. ودَّعتهما، على أمل لقاء قادم، ودعوت لهما بالخير.

قارئي العزيز...،

همسة في أذنيْ كل عاقل: أرح أعصابك وفِكرك، وابتعد عن السرعة والعجلة في إصدار حكم على أحد بغير تجربة ولا دليل ولا برهان، وابتعد عن الغضب، وتقطيب الجبين، وقد قال روبت انجرس: "الغضب ريح قوية تطفئ مصباح العقل". وقال لقمان لابنه: "لِتكن كلمتك طيبة، وليكن وجهك بسطا، تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء، ولا شيء أطيب من اللسان إذا طاب، ولا أخبث منه إذا خبث. يا بني: إنه من يرحم يرحم، ومن يصمت يسلم، ومن يقل الخير يغنم، ومن يقل الباطل يأثم، ومن لا يملك لسانه يندم".

إنَّ من الكلام ما هو أشد من الحجر وأنفذ من وخز الإبر وأمر من الصبر وأحر من الجمر، وإن من القلوب مزارع فازرع فيها الكلمة الطيبة، فإن لم تنبت كلها ينبت بعضها.

-----------------------

آخر كلام:

احمد ربك، واشكره، على نعمه الكثيرة التي لا تُحصى ولا تعد، ومن نعمه: نعمة البيان ووهب لك عقلا رزينا، راجحا، ولسانا ناطقا، وقلبا خاشعا، تملك -ولله الحمد- حُسن التصرف والرد بطيب الكلام وأحسنه. اجلس وتفكَّر، وارجع البصر كرتين.. ثم ارجع البصر كرتين.