كيف تكون لك "قضية" و"مركزية"؟!

 

غسان الشهابي **

لقد قضي الأمر في إبرام اتفاقية سلام بين دولة الإمارات العربية المتحدة و"إسرائيل"، وتوقيع إعلان تأييد السلام بين مملكة البحرين و"إسرائيل"، وقبيل هذا الأمر وبعيده، خرج الكثير من الأشخاص، من ذوي العلاقة وممن ليست لهم علاقة أساساً، للإفتاء في أيّ من الموقفين، وأعرب من أعرب عن رأيه فيما حدث، ولكن ما الذي حدث حقيقة.

إذا كان الأمر قد تمّ في هاتين الدولتين الخليجيتين، وما يُقال أنْ ستليهما دول أخرى، فإنَّ الذين "يتناحرون" على شاشات المحطات الإخبارية، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي مؤيدين ورافضين، عليهم أن يخرجوا من هذا "الزعيق" الحاصل الآن إلى ترتيب ما بعد ما حصل، والتدرب على ما سيحصل، فلقد جفت الأقلام وطُويت الصحف، ولن تتغير الأمور إلا إذا حدثَ حدثٌ جلل يجري بموجبه نقض أو تغيير ما سبق إبرامه.

كلتا الدولتين لم تنكر على الفلسطينيين حقوقهم، وكلتاهما قالت إنَّ القضية الفلسطينية هي القضية المحورية والمركزية للعرب أجمعين، وأنَّ هذا السلام (بصيغتيه) سيُسهم في التقدم في حل هذه القضية. ليس التساؤل هنا: كيف سيتم ذلك، فهذا شأن الجهات الرسمية التي تواجدت في واشنطن في التاريخ نفسه 9/11، ولكن السؤال الأهم، كيف يمكن أن تمّحي "القضية المركزية" من الوجدان، وكيف يمكن أن تستمر تذكّر بالحقوق التي أقرتها الأمم المتحدة نفسها كأساس لحل هذه القضية.

التعامل مع قضايا من هذا النوع سيحتاج إلى النفس الطويل الذي يتغذى بقوة الداخل الفلسطيني وتماسكه، وصلابة الموقف الفلسطيني الخارجي المتمسك بالعودة وعدم الذوبان في المجتمعات الأخرى والتنازل عن هويته.

كما يحتاج إلى رؤية خاصة وجديدة في إدارة المعلومات عن "القضية" بعيدة عن التهويل الكلاسيكي، ولا التهوين والتليين المعاصر، وإنما مخاطبة العقول والمنطق لأنَّ هذا ما يعمل مع جيل الغد.

يحتاج إلى تشكيل جيوش من الإعلاميين الجدد الذين لهم طرح يختلف– إلى حدود بعيدة– عما كان يُطرح من قبل، وتقديم صورة متجددة لجموع متجددة من البشر داخل الوطن العربي وخارجه، ومخاطبة الجمهور في كل منطقة بالشكل الذي يفهمه، فالخطاب العربي القديم صار مثاراً للتأفف خصوصاً لمن عايشه لأربعين أو خمسين عاماً، فبات كل شيء محفوظاً قبل أن يقال.

ستحتاج القضية- حتى لا تُجتاح- لأن تعود إلى صدارة المناهج الدراسية، فالتطبيع- الذي ليس من موجبات "السلام" ولا هو من أساسياته- سيقود حتماً إلى محو كل ما يخص فلسطين من مناهجنا، أو تقليل حضورها إلى الحدود الدنيا مثلها مثل الأندلس والماضيات الصالحات، فحتى تبقى "قضية" و"مركزية" لابد من أن تكون القضية حاضرة تعليمياً وإعلامياً وأهلياً لأنها لا تسقط بالتقادم.

إذا كانت القضية الفلسطينية مركزية ومحورية لدى الجميع، فالسلام يعني اللا حرب، ومع أن دول الخليج ليست في حالة حرب فعلية مع العدو الصهيوني، وحتى لو اختارت "السلام" أو هي تحت ضغوطات أكبر منها ومن قدراتها على التحمل لا يعني "الحب" والتماهي في الآخر، والتغني به، فإذا لم تكن هناك "عداوة"، ألا توجد- على الأقل- "خصومة" حتى تحل القضية، كما يحدث في أي محكمة عندما يتخاصم طرفان!

** كاتب بحريني