عودة لموضوع الواقع الافتراضي والواقع المعزز (2- 3)

 

عبيدلي العبيدلي

وفي السياق ذاته، تشير إحصاءات شركة كابيتال دجي (Capital-Digi) إلى أن "مجموع القيمة الكلية لأسواق تقنيتي الواقع الافتراضي والواقع المعزز ستصل إلى 120 مليار دولار في العام 2020... في حين ستبلغ إيرادات الواقع المعزز 90 مليار دولار، بينما ستصل إيرادات الواقع الافتراضي إلى 30 مليار دولار".

ويكتشف المتابع هنا أنَّ هذه الصناعة الفتية، متسعة على المستوى الأفقي، ومتشعبة على النطاق العمودي. فعلى المستوى الأفقي، باتت تغطي مختلف النشاطات الإنسانية بدءًا من الأعمال، مرورا بالصناعة، انتهاء بالتعليم والتدريب. وفي كل قطاع من هذه القطاعات نجدها تتجه عموديا نحو التخصصات التي يغطيها القطاع المعني. ففي الصناعة مثلا نجد تطبيقاتها تختلف عندما تبني هذه الصناعة بيئة إنتاج صناعات النفط والغاز عنها في بيئة صناعة الأغذية.

وقد مارست صناعة الألعاب نمو سوق الواقع المعزز والافتراضي. فقد بلغ حجم السوق 11.35 مليار دولار في العام 2017. ومن المتوقع أن تصل توقعات سوق الواقع المعزز والافتراضي إلى ما يقارب من 571.42 مليار دولار بحلول العام 2025، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 63.3٪ من 2018 إلى 2025".

وهنا، مرة أخرى يجد المتابع التنوع في هذه الصناعة. إذ يجد منتجات الألعاب الافتراضية المتنوعة تخاطب صناعات الطاقة المختلفة من الغاز والنفط، دون أن تستثني البتروكيماويات، ولا حتى صناعة الطيران. وتستخدم الألعاب المبنية على تقنيات الواقعين المعزز والافتراضي في قضايا التدريب على أنشطة تلك الصناعات. ولكل منها مقاييسه المختلفة، ومحتواه التدريبي المتميز، ومنصاته التقنية المتفاوتة في الحجم والخدمات المرافقة التي توفرها، والتعقيد الذي وصلت إليه.

وفي التعليم لا تقتصر برمجياتها على المدارس، بل تمتد حتى الجامعات، بما فيها أقسام الدراسات العليا، دون أن يعني ذلك حصر نفسها في الكليات العملية بل تشمل أيضاً تلك الكليات النظرية، بما فيها المحاماة، والدراسات الإنسانية. فلكل من هذه الفئات تطبيقاتها الخاصة التي ترتقي بأدائها، وتطور من إمكانات مواردها البشرية، وتحسن من جودة مخرجاتها المهنية.

مثل هذا الاتساع في الأسواق يولد نوعاً من التضارب في القدرة الشرائية لكل فئة من الزبائن، بل ويخلق تفاوتا آخر في إطار كل فئة منها على حدة. هذا بدوره يجعل من يقف وراء هذه الصناعة أمام تحد معقد عند اختيار الفئة المناسبة التي يمكن أن تخاطبها هذه الصناعة.

والقائمة طويلة، ولا يمكن حصر مكوناتها الكاملة في هذا الحيز المكاني الضيق المتاح.

وعلى مستوى الفئات المخاطبة التي تشمل الزبائن المحتلمين، نجد أيضاً الامتداد الأفقي، المصحوب بالعمق العمودي. فهي تخاطب الأفراد من جميع الفئات الاجتماعية، كونهم طلاب المدارس والجامعات، لكنها أيضا تتوجه نحو المؤسسات التجارية منها، وتلك النشطة في إطار منظمات المجتمع المدني. وهذا يجعل من ألوان منظور فئات الزبائن المخاطبة متشعبة الفئات، متعددة الاختصاصات، متفاوتة في قدراتها الشرائية. ولا يمكننا في هذا المجال تجاوز الجانب الأمني الذي لا يُمكن أن تستغني عنه شركات القطاع الخاص، ولا دوائر الأمن في مؤسسات الدولة.

هذا يعني أنَّ ألوان طيف زبائن هذا القطاع الصناعي متعددة ومتشعبة. وبقدر ما يتيح مثل هذا التشعب والتنوع الفرصة أمام نمو الأسواق واتساع نطاقها، فهو يفسح في المجال أيضاً دخول منافسين صغار، ولاعبين غير محترفين، يشوهون قيمها، إلى درجة تصل إلى ارتفاع مستوى القرصنة، وتشريع الأبواب أمام سرقة الملكيات الفكرية والتزوير.

أما بالنسبة للهوة السحيقة التي ستولدها هذه الصناعة، ونشر أنواع غير مسبوقة من التفاوت في الثروات وقنوات تناسلها. فمن المتوقع أن نشهد، وفي فترة قصيرة جداً، تفاوتا ملحوظا بين الدول الرائدة في هذه الصناعة وبين الدول التي ما تزال في المراحل الدنيا من تطور هذه الصناعة. والحديث هنا لا يقتصر على صناعات الأجهزة والمعدات، بل ولا حتى نظم التشبيك، بل سيتم تجاوز تلك الأسواق للوصول لأسواق صناعات جديدة تقوم على البرمجيات والخدمات التي ستولدها، وستتفوق الدول الرائدة على نظيراتها المبتدئة. ولن يكون مصدر التفوق القدرات العسكرية، ولا حتى أساليب النفوذ الأخرى التقليدية، إذ سوف تستبدلها، وفي فترة قصيرة نسبياً، تلك القوى الممسكة بنظم المجتمعين، الافتراضي والمعزز، كونها – تلك القوى – أصبح بحوزتها مفاتيح وأسرار صناعتهما المشتركة والمتكاملة.

ونأتي هنا إلى أسفل عنصر في قائمة تلك الفئات وهو عنصر الاحتكار، فمن الطبيعي والمتوقع أن تحرص الدول، أو المؤسسات التابعة لها، الرائدة على احتكار مفاتيح بناء تلك الصناعة، بما فيها تلك المتفرعة منها، أو المتولدة عن طريقها. ولن يكون الاحتكار محصورا في مكونات الملكية الفكرية، بل سيتسع نطاقه كي يشمل أيضاً الصناعات التي تولدها تلك الملكية، بما فيها تلك التي لا يحق لها احتكار ملكيتها.

وستعود من جديد دورة الاقتصاد المتعارف عليها التي تقسم العالم إلى نصف منتج وآخر مستهلك. لكن الجديد هذه المرة، أن الغرب، مهما بذل من جهود، لن يكون في وضعية تسمح له بالإمساك بزمام ذلك التفوق والاحتكار المرافق له، أو المنبثق عنه.

فقد دخلت أسواق هذه الصناعة، ومن أبوابها الواسعة العديد من دول الشرق، البعض منها في عداد الدول العظمى مثل الصين واليابان، لكن الآخر منها من فئة الدول الصغرى مثل كوريا الجنوبية وتايوان.

لكن بعيداً عن كل ما أشرنا له أعلاه ينبغي الاعتراف بأنَّ تقنيات الواقعين الافتراضي والمعزز تفتح مجالات لا متناهية قادرة على سد فجوات واسعة، نعاني منها اليوم، في أنواع الخبرات المكتسبة، أو بالأحرى المتاحة بفضل التباعد الجغرافي، أو التفاوت الاجتماعي. فما توفره صناعة الواقعين الافتراضي والمعزز من أحاسيس قادرة على توليد أشكال معرفية متعددة يصعب أن يوفرها مشاهدة مقطع فيديو أو حتى التفاعل مع لعبة مسطحة كما هو الحال في تجربة العالم الحقيقي. وعليه ستفتح تلك الصناعة، كما يقول البعض "قدرًا هائلاً من المواهب والخبرة لكثير من الناس ، وستحفز بلاشك الابتكار الذي لا يمكننا تخيله حتى الآن".