"لا تصالح ولو منحوك الذهب"

 

 

سمير الهنائي

abunamir.mms@gmail.come

 

لا تصالح!

ولو منحوك الذهب

أترى حين أفقأ عينيك

ثم أثبِّت جوهرتيْن مكانهما

هل ترى؟

هي أشياء لا تُشترى

نعم.. هي أشياء لا تشترى، هكذا وصف الشاعر الراحل أمل دنقل القضية بعد اتفاقية "كامب ديفيد"، وفلسطين هي كذلك أصل الحكاية.

لا أعرف أيًّا من أدبيات العلوم السياسية تلك التي جعلتنا نُهرول نحو ما يُعرف بتطبيع العلاقة أو السلام مع كيان محتل دون ضمانات حقيقية تحفظ لأهل القضية حقوقهم المتعارف عليها دوليًّا. ومفهوم السلام وإنْ كان في وصفه الأكاديمي الدقيق متَّشحًا بالمثالية، إلا أنَّه يشوبه الكثير من الغموض في القضايا المصيرية، ونحن كشعوب لسنا بحاجة لشعارات أكاديمية مادام هناك من الوعي ما نُدرك به تماما الجذور الحقيقية داخل المصطلحات الغربية والبراقة المخاتلة.. وقد يقول لنا المفكرون السياسيون إنَّ السلام عبور لبر الأمان، لكنَّني لا أعرف أيَّ أمان ذاك الذي سينعم به الفلسطينون رغم كل المعاهدات والقرارات التي خرقتها إسرائيل ولم تنفذها منذ العام 1948؟

فالقضية الفلسطينية، وما يربطنا بها، أكبر من ذلك السلام المزعوم في كافة صوره؛ فهي قضية أرض عربية وإسلامية بقدسيتها كوطن محتل، كذلك سيقول لنا المفكرون السياسيون إنَّ التطبيع وسيلة للتقارب واسترجاع ما تبقى من الأرض لأهل الأرض، كما لو أنني أقوم بسرقتك، ومن ثم أتصدَّق عليك من مالك الذي سرقته منك. ولا يجوز هنا في هذا المقال التنبؤ بما هو أسوأ من تهافت البعض نحو التطبيع؛ لأنَّ التطبيع لا محالة سيستمر بصورة أو أخرى لدى العديد من الحكومات العربية حتى لو كان ذلك في جُنح الظلام أو أقبية صالات التشريفات كما كان في السابق. لا أريد هُنا أنْ أسلك طريقَ العرَّافين في الجزم بأن جميع الدول ستقوم بالتطبيع لاحقا، في ظل يقيني بأنَّ الأغلبية كانت تمارس طبيعة العلاقة فيما نستطيع أن نقول عنه "الخفاء المحكم" في التعامل مع الكيان في شتى الجوانب بما فيها الاقتصاد والأمن. وهذا لا يمكن إنكاره، خاصة بعد نشر الكثير من الوثائق السرية المُسربة التي تطالعنا بها الصحافة الغربية بين الحين والآخر.

وكما أشرت في مقال سابق حول موقف الشعوب العربية من التطبيع، ستظلُّ فلسطين قضية أخلاقية ودينية، وسيظل الكيان الصهيوني كيانا مغتصبا حتى تتحقق رغبه الفلسطينيين في إقامة دولتهم على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحينها نستطيع كشعوب عربية أن نتعايش معهم في سلام دائم ومستقبل جديد سيشرق لأجيال آتية. أما أنْ نقوم بالمبادرات التي أعتقد أنها مستفزة مع وضع ألف خط وخط تحتها، فهي لم تجدِ نفعا لحل القضية الفلسطينية وما هي إلا لصعود مصالح مشتركة لكل المطبعين بما فيها -والأهم- المصالح الأمنية للتحصُّن من الفزاعة الإيرانية. هذا قد لا ينطبق مع جميع دول الخليج العربي مثلا، والتي تربطها علاقات قوية ومتينة مع إيران، تلك الدول التي استطاعت بحكمة سياستها المتزنة في التخلص من تلك المسائل التي باتت تستهوي عالمنا اليوم في تفخيم الفزاعة الإيرانية. وفي حقيقة الأمر، لا يمكن لأي دولة أن تننكر الخطر الأجنبي على أمنها في أي لحظة، وهذه أساسيات شبه بديهية في نظام الدول، فصديقك اليوم قد يكون عدوك غدا، وجارك الحميم سيكون محتلا لك في الغد، لكن هذا ليس معناه على حساب المبادئ أو القيم التي تؤمن بها. وأعتقد يقينا بأن جميعنا مُؤمن بأن فلسطين ليست قضية شعب وحده لكي نمد يدنا نحو مغتصبيها بهذه الصورة بمبرراتها الممسوخة، والتي لا أستطيع حتى وصفها. فهي قضية ليست للمساومة، فبني صهيون عُرفا وتاريخا لا عهد لهم ولا سِلم، وأخشى من تواصل بعض الدول في هذا الركب بقادم الأيام، لأنها لن تزيدنا سوى الكثير من الخسارات المؤلمة.. فليلُ اليهود المظلم الطويل، لا يُمكن أن يأتي بعده فجر في الغد، لا بالسلام ولا بالتطبيع.. وللتاريخ الحكم!

وأختم هنا بما تبقى من ضمير من أبيات أمل دنقل، حينما قال:

"ولو قيل ما قيل من كلمات السلام

كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنس؟!".