مشاريع بني صهيون

 

 

غسان الشهابي *

* كاتب بحريني

اتَّصل بي أحد أساتذتي في الصحافة وأصدقائي فيها أيضاً، وكعادته بادرني من دون مقدمات قائلاً: "ماذا يريد فلاناً؟ أن يعمل جبهة للصمود والتصدي جديدة ومقاومة التطبيع؟"، وأعرف أن هذا السؤال مجرد استفزاز من رجل عمل عن قرب مع الفصائل الفلسطينية، وخاض معها الكثير من التجارب، لكنه قال في ثنايا حديثه قولاً مهماً: "المقاطعة أو رفض التطبيع أمر جيد ومحمود، ولكنه يريد "مشروعاً" أساسياً حتى يبدأ في التأثير".

على الرغم من حماستي في تفنيد تصوراته، إلا أنَّ كلمة "مشروع" هذه هي التي بقيت بعد المكالمة؛ حيث مررت بها على الكثير من محطات الصراع العربي-الإسرائيلي، حروباً ووقائع ومناوشات وحوداث ومؤتمرات وقمما وأمما وغيرها من مجمل هذه المسيرة التي مِلؤها الألم الذي يعقبه -في كثير من الأحيان- الندم على ما فرّطنا فيه، يبقى "المشروع" هو الغائب الأكبر في كل ما تقدَّم.

فمُنذ المؤتمر الصهيوني الأول (سويسرا 1897) وضح للمؤتمرين/المتآمرين المشروع الذي سيسيرون عليه، الخيارات الكثيرة لوجود وطن لشعبهم المشتت، قلَّصوا الخيارات، ثم ركزوا في مشروعهم على الأرض الفلسطينية لأنها موافقة تماماً للأكاذيب التي سينسجونها داخليًّا ويروجونها خارجيًّا، والأساطير التي لا تقف على قدمين؛ فكان مشروع الطمس التاريخي والإحلال القسري لتاريخ جديد.

الضغط المستمر على الحكومات الغربية خصوصاً وابتزازها واستخدام جميع الأدوات ما نظُف منها وما قذُر، في سبيل ترغيب وترهيب اللاعبين الأساسيين في الدول التي يستطيعون الوصول إليها والسيطرة على مفاتيح الاقتصاد والترفيه والسياسة والمال فيها، ومن بعد ذلك تحويل الفاعلين الأساسيين إلى دُمى تنفذ ما يريدون... مشروع.

السيطرة على الإعلام الدولي، والتركيز على الإعلام الأمريكي وتكوين المؤسسات العملاقة التي تبتلع أيًّا من المؤسسات الصغيرة، بدءًا من الصحف ومحطات التلفزة، وصناعة الأفلام السينمائية والتلفزيونية حاليًا، والأعمال الدرامية لتقديم شخصيات يهودية -خُصوصاً- في قوالب بالغة الذكاء، تتعاطف معها، أو تكرهها، ومجرد تخطر صدفة في السياق، هذا من أهم المشاريع لـ"تطبيع" البشر مع هذه الكثرة غير المبررة للظهور اليهودي في كل زاوية حتى ليخال للمتلقي غير الحصيف أنَّ اليهود يشاطرون العالم في التعداد، إضافة -طبعاً- لتقديم المعاناة و"الظلم" الذي تعرضوا له لاستدرار التعاطف العالمي من الناحية الإنسانية.

كل هذه "المشاريع"، كانت أمطاراً تُصبّ بشكل موجَّه لعشرات السنوات لخلق جدول أخذ في الاتساع مع مرِّ الزمان ليُشكل النهر الجارف الذي يأخذ في طريقه من يروم الصمود، بل ويرى الصامدُ أصدقاءه وأقاربه ومن كان يثق بهم، وهم يلوّحون له مُبتسمين والسيل الصهيوني العرم يأخذهم بعيداً إلى نهاية معروفة سلفاً. كل هذه المشاريع تدار من جهة واحدة، فكر واحد، وتخطيط مستمر، ونفس طويل، لم تستعجل النتائج وتقطف الثمار وهي فجّة، حتى إذا استوت تماماً ونضجت كما هي الحال اليوم، باتت نسيمات الهواء تسقطها الواحدة بعد الأخرى، ذلك لأن لا مشروعية لمن لا مشروع له.