نزهة في الطبيعة خير من 1000 دواء

علاج اضطراب النوم لدى أطفال التوحد

سلمى بنت علي العلوية **

يُعد اضطراب النوم أحد أكثر الأعراض التي يُعاني منها أطفال التوحد، ويشير اضطراب النوم إلى اختلال في نظام النوم من حيث الكمية والكيفية والتوقيت، كما أنَّه يشير إلى وجود مشكلات مخلة بالنوم تتمثل في: (1) مشكلات النوم الأولية مثل الأرق، وفرط النوم، وخدار النوم، (2) ومشكلات النوم الثانوية مثل التحدث أثناء النوم، والمشي أثناء النوم، والفزع الليلي، والكوابيس،(3) ومشكلات أخرى تتمثل في الشخير، واحتكاك الأسنان.

وتُعد صعوبات النوم، وروتين النوم غير الثابت، ومُدَة النوم القصيرة، والقيام مُبكرًا في الصباح، والمشي أثناء النوم، ومقاومة وقت النوم، والأرق، والاختناق أثناء النوم، والكوابيس، والنعاس أثناء النهار من أبرز مشكلات النوم انتشاراً بين الأطفال التوحديين.

وعلى الرغم من انتشار هذا الاضطراب بين عدد كبير من الأطفال التوحديين إلا أنَّه لم يلق الاهتمام المناسب من الباحثين، حيث أشارت الدراسات إلى أن هذا الاضطراب يظهر بنسبة عالية بينهم تصل إلى 81% مقارنة بأقرانهم في المجتمع والذي أشارت الدراسات أنه يصل إلى 33% فقط.

 علاوة على ذلك، يُؤدي عدم حصول الطفل التوحدي على النوم الكافي إلى ظهور مشاكل سلوكية شديدة تؤثر على حالته الصحية، ومن أبرزها: العدوانية، والاكتئاب، والنشاط الحركي الزائد، ونوبات الغضب، وضعف التعلم.

 إضافة إلى ذلك يؤدي هذا الاضطراب إلى ارتفاع مستوى الضغوط النفسية وتعطل المهارات الوالدية لدى الأمهات. وبالرغم من انتشار مشكلات النوم بين الأطفال التوحديين لا توجد أدلة واضحة وقاطعة على أسبابها، في حين كان هناك عدد قليل من النظريات مثل النظرية النيورنية، والنظرية الأيضية للنوم بالإضافة إلى بعض الفرضيات مثل فرضية هرمون الميلاتونين التي حاولت إسناد هذه المشكلات إلى عدة أسباب منها: الأسباب النفسية والاجتماعية، والأسباب البيئية، والمشكلات الصحية والحسية، إضافة إلى القلق الذي أكدت الدراسات على ارتفاعه بين الأطفال التوحديين.

ومن خلال اطلاعي على البحوث العلمية التي أجريت في مجال مشاكل النوم لدى أطفال التوحد والتي تسير جنباً إلى جنب مع اضطراب التوحد، لفت انتباهي الحديث عن "هرمون الميلاتونين" وكما هو معروف أنَّ هرمون الميلاتونين يساعد على تنظيم دورة النوم واليقظة لدى الإنسان، وقد  أثبتت الدراسات أنَّ هذا الهرمون يعمل بشكل معكوس لدى الأطفال ذوي اضطراب التوحد، إذ يزداد أثناء النهار وينقص أثناء ساعات الليل.

ومن خلال تجربتي مع أطفال التوحد وجدت أن هناك علاجاً أنسب للتخفيف من حدة اضطراب النوم لديهم ... ألا وهو أشعة الشمس في الصباح الباكر أو عند الغروب، فهل جربت ولي الأمر وإخصائي التوحد أشعة الشمس الطبيعية في التخفيف من حدة اضطراب النوم لدى الطفل التوحدي؟

إنَّ خروج الطفل التوحدي يومياً إلى البيئات الطبيعة كالخروج في نزهة تتراوح بين ساعة إلى ساعتين إلى الشاطئ أو متنزه طبيعي أو خروجه إلى حديقة منزله أو حديقة المركز التأهيلي الذي ينتسب إليه يلعب دورا بارزا في التخفيف من حدة اضطراب النوم لديه، حيث تسمح له هذه النزهة بأخذ نسبة مناسبة من أشعة الشمس والتي من شأنها أن تخفي هرمون الميلاتونين لديه في النهار وظهوره في الليل.

ويُعد تعرض الطفل لأشعة الشمس علاجاً طبيعياً يُعيد انتظام الساعة البيولوجية لأطفال التوحد، كما أنه يؤثر على كمية الميلاتونين التي ينتجها الدماغ، ومن هذا المنطلق على ولي الأمر أن يحرص على تعريض طفله التوحدي لأشعة الشمس في بداية الصباح أو عند الغروب عن طريق النزهات الخارجية أو حتى في فناء المنزل المفتوح والمعرض لأشعة الشمس، لاسيما وأنه علاج مجدٍ للتخفيف من هذا الاضطراب علاوة على أنَّه لا يكلف ولي الأمر مادياً ولا يُشعره بالقلق حيال الآثار الجانبية التي تسببها الكثير من العقاقير الطبية التي يستخدمها بعض أطفال التوحد للتخفيف من حدة اضطراب النوم لديهم. وقد أشارت الدراسات إلى أنَّه من المُهم متابعة انتظام نوم الطفل في الليل، والحرص على أن ينام في غرفة مظلمة جدا لمُساعدة هرمون الميلاتونين على الظهور.

وإذا افترضنا أنَّ الطفل التوحدي في بداية يومه يذهب إلى المركز التأهيلي فعلى إخصائي التوحد الالتفات لدور الشمس في الصباح الباكر لهؤلاء الأطفال والحرص على إدراج أنشطة خارجية في الهواء الطلق بطريقة منظمة ومخططة كأن يدرب الإخصائي الطفل على أنشطة حسية معينة بمكونات طبيعية في مكان مفتوح كفناء المركز التأهيلي، بحيث يضمن الإخصائي حصول الطفل على حاجته من الشمس التي من شأنها أن تنظم نومه دون أي مشاكل في الليل.

ومن المُهم لفت انتباه ولي الأمر وإخصائي التوحد إلى أنَّ الطفل قد يُقاوم الخروج من الأماكن التي اعتاد عليها كالمنزل أو المركز التأهيلي ولكن مع مرور الوقت سيعشق التجربة والخروج إلى الطبيعة، وسيُلاحظ الجميع حرص الطفل نفسه على خوض هذه التجربة بدافع داخلي منه لأنَّ الطبيعة بعناصرها المختلفة تعزز لدى الطفل الشعور بالسعادة والفرح.

ومن الجدير بالذكر، أنَّ حدة أعراض التوحد تختلف من طفل لآخر، ومن هنا أرى أنه من الضروري عمل خطة مشتركة لمتابعة أعراض التوحد كل على حدة، ويشترك فيها ولي الأمر وإخصائي التوحد والإخصائيون المساعدون من التخصصات الأخرى حتى تكون الرؤية واضحة بين جميع الأطراف لوضع خطة علاجية مناسبة، فكلما كان هناك تكامل في الفريق الذي يعمل مع الطفل كانت النتائج أكثر وضوحاً وواقعية.

** باحثة دكتوراه، كلية التربية بجامعة السلطان قابوس

** مدربة في مجال الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة