الثقافة.. المصعد الوطني

 

فوزي عمار

 

يلتف الشعب اللبناني هذه الأيام في ازمته حول الفنانة العظيمة فيروز كمصعد ورافعة وطنية من قاع السياسة إلى قمة الوطن؛ فصوت فيروز يصدح في معظم الميادين والإذاعات  اللبنانية منذ أزمة تفجير المرفأ (بحبك يا لبنان.. يا وطني بحبك).

ومع لقاءها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بيتها  في زيارته الثانية لبيروت منذ تفجير المرفأ، قال ماكرون حين التقي بفيروز "اسمحوا لي أن أحافظ على خصوصية هذا اللقاء.. أستطيع أن أقول ما شعرت به وما قلته لها شخصيا: إنني أشعر بالرهبة أن أكون أمام ديڤا مثل فيروز"، في اشارةً لمصطلح  فرنسي يعني المغنية الرئيسة في الأوبرا.

ولأن  الشعوب  تلجأ في الأزمات العميقة الي المثقف وليس إلى السياسي لأن المثقف هومن ينتج قيمة مضافة للمجتمع والدولة وهومن يؤمن بالقضية وهو من يزرع الأمل ويخاف التاريخ ولا يساوم على المبدأ.

عكس السياسي الذي يميل الي عقد الصفقات والمسلح الذي يوظف المليشيا لجلب المال الفاسد والسلطة المطلقة.

تاريخيا معظم الشعوب التي مرت بأزمات كان للمثقف دور إيجابي مهم . ففي محنة  يوغسلافيا مثلا  كل   شعب من شعوبها التف حول مثقف ومفكر  وطني كبير  منهم. 

فالصرب التفوا حول رادوفان كاراديتش وهو شاعر رغم تحوله الي دكتاتور ولكنه في نظر شعبه، يعتبر  بطل قومي. 

والبوسنة لجؤو إلى علي عزت بيغوفيتش وهو مثقف ومفكر، اما في كوسوفو فقد اختاروا روائيا هو إبراهيم روجوفا، والكروات اختاروا الكاتب والمثقف المعروف  فرانيوتوجمان.

وليس بعيدا عن البلقان  في دولة تشيكا الوليدة بعد تفكك دولة تشيكوسلوفاكيا؛ اختارت الجماهير الكاتب المسرحي فاتسلاف هافل من خلال الانتخابات اول رئيس لدولة التشيك. وهافل الذي قيل عنه في مماته "كان الراحل رجل دولة عظيما وكان لكلمته وزن في السياسة والمجتمع". كتب هافل مسرحية شهيرة بعنوان "المغادرة" وتدور السخرية التي تمتلئ بها هذه المسرحية حول زعيم سياسي استقال من منصبه لكنه رفض مغادرة مسكنه الحكومي. ووصف بعض النقاد المسرحية بأنها أفضل أعماله.

هذه هي سيرة بعض الشعوب التي شعرت أن كيانهم مهدد في الوجود... لذلك  اختاروا المثقف العضوي لهذه المهمة وها هي دول البلقان ودولة تشيكا تنبعث من جديد مثل طائر  الفنيق الذي يُبعث من الرماد.

هكذا هي الشعوب العظيمة التي لا تستكين للأزمات.