حكومة جلالة السُلطان

علي بن سالم كفيتان

شكَّل جلالة السُّلطان هيثم بن طارق- أيده الله- حكومته الأولى، فجاءت مُناصفة بين الوجوه الجديدة والقديمة بواقع 13 وزيراً يشغل هذا المنصب للمرة الأولى، ومثلهم ممن احتفظوا بحقائبهم أو نقلوا لوزارات أخرى، مما يعني ضمناً تجديد نصف الحكومة السابقة وتطعيمها بوجوه جديدة بعد أن تمَّ دمج عدة وزارات واستحداث أخرى.

وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى سقف الطموح الذي كان متوقعاً من الحكومة الوطنية المرتقبة، فالشارع العُماني كان يترقب تغييراً جذرياً للحكومة بحيث تصعد وجوه جديدة للواجهة ممن شُهد لهم بالكفاءة والنزاهة، بل وذهب البعض لسقف أعلى وهو أن يُمنح مجلس الشورى كمُمثل للشعب حق الموافقة على الأسماء المرشحة لكل حقيبة وزارية، ولا شك أنَّ ذلك لو حدث سيكون نقلة نوعية في العمل الديمقراطي بالسلطنة، وسيُحمل المُجتمع المسؤولية في حال الإخفاق لا سمح الله.       

إنَّ بقاء البعض مُمسكين بحقائبهم رغم عدم تحقيقهم إنجازات باهرة وربما سُجلت عليهم هفوات ضمن التشكيلة الجديدة أوجد علامات استفهام كبيرة، ولكن الكل مُجمع على أنَّ جلالة السُّلطان- أبقاه الله- له في ذلك حكمة قد يجهلها العامة، فالأمر بعد الله هو بيد ولي الأمر، يحكّم فيه نظرته ويُعمل فيه بصيرته لخير البلاد والعباد، ولاشك في ذلك، واستنتاجاتنا في النهاية مُستقاة من نبض الشارع الذي يجب أن نعبر عنه لإيماننا العميق بأنَّ العهد الجديد لمولانا جلالة السلطان- أيده الله- ارتكز على حماية الحريات والتعبير عن الرأي، وظهر ذلك جلياً من خلال فسح المجال للتعبير عن الاختلاف مع بعض خطوات الحكومة وإعلان ذلك الاختلاف دون مُضايقة أصحابه. فقد كتب العُمانيون وعبروا عن رفضهم للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وعبَّر شيوخ عُمان وعلماؤها بجلاء عن عدم توافقهم مع سياسات التقارب مع إسرائيل، فرجالات الحكومة لهم نظرتهم في تقييم المواقف السياسية، والشعب له حريته في التعبير عن رأيه، فنحن في عُمان قد نختلف في وجهات النَّظر، لكن ذلك لا يقودنا إلى الخلاف وشتان بين الأمرين.   

إنَّ الحكومة الجديدة القديمة منحت الاقتصاد الأولوية القصوى عبر تخصيص حقيبتين وزاريتين، واللافت هو منح الصلاحيات الكاملة لوزرائها، فهذا التفويض يحدث للمرة الأولى في تاريخ عُمان الحديثة؛ فالرجلان وما ضُم إليهما من شتات الأجهزة المالية السابقة أمام محك لإثبات جدارتهما لقيادة دفة الاقتصاد العُماني المُتراجع منذ عشر سنوات، ومن العوامل المُساندة لتنظيم الوضع المالي هو إحكام القبضة على الشركات الحكومية وإعادتها لعباءة جهاز الاستثمار العُماني الذي يرجع للسلطان مُباشرة بعد أن كانت موزعة بين وزراء الحكومة السابقة وأظهرت معظمها تسجيل خسائر غير مُبررة.

وشكلت السياسة الخارجية هاجساً لا يمكن تجاوزه في الحكومة الجديدة فرحيل عراب السياسة العُمانية بن علوي ومنح خليفته الخيط والمخيط يُدلل على ثقة جلالة السُّلطان- أيده الله- فيمن اختاره لقيادة دفة الدبلوماسية العُمانية خلال المرحلة المُقبلة، بحيث تكون مُعبراً صادقاً عن مصالح الشعب وهمومه، وألا تغرد بعيدا عن الديار، كما حدث خلال الفترة الأخيرة التي جعلت العُمانيين يحتارون من هول التصريحات والسباحة عكس التيار العُماني الهادئ الرزين الذي رسمناه لأنفسنا طوال 50 عامًا فاحترمنا الجميع وصرنا كشامة في هذا الكون.

أما حقيبة وزارة العمل فتحمل تركة ثقيلة لوزارتين ومركز تشغيل جميعهم لم يقدموا جديدا لطموحات العُمانيين، بل كدست الشباب في البيوت وأنتجت سياسات رتيبة لم ترق للمطلوب، واليوم هذه الحقيبة في يد شاب طموح ومُؤهل لا تنقصه الجرأة ولن يستمد المصداقية، فهو قادم من أقصى الجنوب (ضلكوت) حيث الخريف يصل مُبكراً وهذه بشرى خير وحيث يقف جبل صرفيت شاهداً على ملاحم لا تنسى، وهذا يدل على الإصرار في تحقيق الهدف. يمنحني كل ذلك جرعة ثقة كبيرة بهذا الرجل الذي انتقاه جلالة السُّلطان ليمنحه مسؤولية مُعالجة أكبر تحدٍ يواجه بلادنا؛ وهي قضية الباحثين عن عمل.